عفرين.. وجهة سياحية لأبناء "الشمال المحرر"


شهد قطاع الخدمات الترفيهية والسياحية في منطقة "عفرين"، شمالي حلب، نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة؛ وذلك بعد عقود من إهمال نظام الأسد في توجيه الإنفاق الحكومي إلى البنى التحتية فيها، واقتصار اهتمام ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" على الجانب العسكري والمجهود الحربي خلال فترة سيطرتها على المنطقة.

وحاول العديد من السكان المحليين والوافدين إلى منطقة "عفرين" خلال العامين الماضيين استثمار الإمكانات الطبيعية للمنطقة؛ من أنهار وبحيرات وينابيع وغابات عبر بناء أو إعادة إحياء منشآت سياحية-ترفيهية مثل: المقاهي والمطاعم والمتنزهات والملاهي، حتى أصبح لهذه المنشآت زوارٌ من مناطق مختلفة في ريفي حلب وإدلب.

في هذا الصدد قال الناشط الإعلامي "أحمد برهو" في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، إنّ مرحلة الهدوء النسبي التي تعيشها مدينة "عفرين" انعكست إيجاباً على السياحة الداخلية فيها حتى باتت اليوم بمثابة المتنفس المفضل لسكان الشمال السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة؛ حيث يقصدها الكثيرون ممن عانوا –وما يزالون- من ويلات الحرب لقضاء العطل الأسبوعية والترفيه عن أنفسهم وزيارة أبرز المواقع الأثرية والطبيعية فيها.


وأضاف: "تطور هذا القطاع بصورة أكبر مع تحول منطقة (عفرين) إلى وجهة رئيسية للمهجّرين قسرياً من مناطق حلب وحمص وريف دمشق ودرعا والرقة ودير الزور وغيرها من المناطق، الأمر الذي شكل فرصةً ملائمة لفصائل المعارضة وبعض أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار فيه، خاصةً في ظل توفر الإمكانات السياحية واليد العاملة الرخيصة، والطلب المتزايد على الخدمات الترفيهية في المنطقة".

وتتبع معظم المنشآت السياحية الموجودة حالياً في "عفرين" بصورةٍ أو بأخرى لفصائل المعارضة، وهي-كما يقول برهو- منشآت قديمة تعود ملكيتها لمستثمرين محليين وكانت الفصائل قد وضعت يدها عليها عند دخول المنطقة، ثمّ أعادت افتتاحها مجدداً إمّا عبر الاستثمار المباشر أو من خلال تأجيرها لمستثمرين مدنيين لقاء مبالغ مادية متفق عليها بين الطرفين.

ولفت "برهو" إلى أنّ هناك بعض المنشآت التي ما تزال إلى الآن خارج دائرة الاستثمار السياحي، وذلك بسبب عدم قدرة الفصائل على تشغيلها، بسبب قربها من مناطق الاشتباكات مثل المنشآت الواقعة في "جبل الأحلام" جنوبي "عفرين".


وحول أسباب غياب وابتعاد العنصر المحلي عن الاستثمار في هذا المجال، أوضح "برهو" ذلك بالقول "إهمال النظام المتعمد لـ (عفرين) وأيضاً ضعف اهتمام (قسد) بهذا الجانب مقارنةً بالجانب العسكري والأمني، دفع بسكانها الأصليين إلى تحويل أنظارهم عن القطاع السياحي والتركيز على الاستثمار في القطاع الزراعي؛ فاهتموا بشكلٍ رئيس بزراعة الأشجار المثمرة كالزيتون والمشمش والرمان والكرز، وترتب على ذلك إنشاء عشرات معاصر الزيتون وصناعة الصابون التي تحولت مع مرور الوقت إلى مصادر دخلٍ رئيسية لأبناء المنطقة".

وبحسب "برهو" فإنّ "الأكراد" لا يزالون حتى اللحظة غير قادرين على الاستثمار الشخصي في القطاع السياحي؛ بسبب الأوضاع الأمنية المتذبذبة في المنطقة، إضافةً إلى عمليات التضييق الأمني التي تطالهم من بعض الفصائل؛ وتطال أيضاً أيّ مشاريع فردية من هذا النوع في المنطقة.


أبرز المناطق السياحية والأثرية في عفرين

وتحتوي "عفرين" على العديد من الأماكن الطبيعية-الأثرية الحضارية من أبرزها مناطق (النبي هوري، بحيرة ميدانكي، تل عين دارا، الباسوطة، الجسر الروماني، كمروك، وعدد من القرى الأثرية في جبل ليلون)، ولا يزال أهالي المناطق المجاورة في أرياف حلب وإدلب يزورون المنطقة في العطل الصيفية كأحد مواقع السياحة المفضلة لديهم في الشمال السوري.

مصدر محلي خاص -فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة- أشار لـ"اقتصاد"، إلى أنّ المجالس المحليّة التي تدير "عفرين" ما تزال هي الأخرى غير مهتمة بهذا القطاع بسبب انشغالها بقطاعات خدمية أخرى تمس الحياة المعيشية الأساسية لأهالي المدينة، وذلك خلافاً لبعض فصائل المعارضة التي توجهت مباشرةً إلى إنشاء مقرات دائمة لها في المناطق السياحية بغية استثمارها لصالحها الخاص، مثل فصيلي (رجال الحرب) و(جيش النخبة) اللذين قاما بإنشاء متنزهات ومطاعم على ضفاف بحيرة (ميدانكي) دون الرجوع لأحد، حسب وصف المصدر.

وفي ظل اختلاف التركيبة السكانية الحالية لمدينة "عفرين"، برزت العديد من المنشآت السياحية (مطاعم، متنزهات، ملاهي) التي أقامها أو يديرها مهجّرون -وبدرجة أقل سكان محليون- داخل المدينة وريفها، وذكر المصدر ذاته أسماء بعضها مثل: مطعم "التراس" الواقع على أطراف "عفرين" ويملكه أشخاص من "الغوطة" الشرقية، ومطعم "شام" الذي يملكه مهجّرون من حمص، وهناك أيضاً مطاعم ومناطق اصطياف خاضعة بشكلٍ مباشر للفصائل مثل: مطعم ومدينة ألعاب "دريم لاند" التابعة لفصيل "تجمع أحرار الشرقية"، ومطعم النهر على طريق "جنديريس" التابع لفصيل "فرقة الحمزة"، ومطعم "كمروك" لفصيل "عاصفة الشمال".


صعوبات

وعلى الرغم من التحسن الملحوظ الذي طرأ مؤخراً على قطاع السياحة في "عفرين"؛ إلاّ أنّه ما يزال يعاني من عدّة مشاكل مزمنة تقف في طريق نموه وتمنع وصول الاستثمار السياحي إلى المستويات اللائقة بالمقومات الطبيعية والحضارية التي تمتلكها المنطقة.

وتتلخص أهم تلك المشاكل وفق ما أجمعت عليه المصادر السابقة وفق الآتي: عدم اهتمام المجالس المحليّة في تنمية الخدمات الترفيهية في المنطقة، وسيطرة بعض فصائل المعارضة على العديد من المنشآت الترفيهية والمواقع الطبيعية وتحويلها إلى مقرات عسكرية، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار الأمني التي تعيشها المنطقة بفعل عمليات التفجير والاغتيالات التي تنفذها خلايا تابعة لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بصورة مستمرة في المنطقة، وتعرض المواقع الأثرية للنهب والسرقة دون وجود أي سلطات رقابية لمنع مثل هذه الظاهرة.


ترك تعليق

التعليق