تبغ سوريا يُلبي مصالح المزارع والتاجر والمهرّب والحكومة!


قبل أن تقوم المؤسسة العامة للتبغ بتسعير المادة للموسم الحالي وإلزام المزارعين بالبيع وفقاً للأسعار الرسمية، سارع المزارعون إلى بيع محصولهم لتجار السوق السوداء لعلمهم المسبق بأن الأسعار الرسمية القادمة ستكون أقل بكثير من أسعار السوق، على غرار تجارب السنوات القليلة الماضية.

"أبو هادي" لديه 5 دونمات مخصصة لزراعة التبغ في محافظة طرطوس الساحلية تمكن من بيع نصف إنتاجه لتجار السوق السوداء، بسعر مضاعف عن الأسعار الرسمية، وذلك قبل أن يبيع النصف الآخر للمؤسسة العامة للتبغ بالأسعار الرسمية، وفقاً لما قاله لـ "اقتصاد".

وأضاف أنّ تجار السوق السوداء يقومون في نهاية عمليات شراء التبغ من المزارعين ببيع نصف الكمية للمؤسسة بموجب صفقة سرية تكون الأسعار فيها أضعاف مضاعفة عن الأسعار المطروحة للمزارعين، والنصف الآخر يتم تهريبه إلى لبنان عبر وسطاء من الفرقة الرابعة. وتتم عملية التهريب خارج سوريا عبر المنافذ العسكرية لحزب الله اللبناني.

وأشار أبو هادي أن لدى تجار السوق السوداء نفوذاً في المؤسسات الرسمية يُمكنهم من معرفة الأسعار الرسمية قبل إعلانها، ما يُكسبهم المرونة في التعامل مع المزارعين وإقناعهم ببيع الإنتاج لهم منذ اليوم الأول للحصاد لتحقيق مصلحة مشتركة، وهناك مزارعون يقومون ببيع كامل المحصول قبل الحصاد بأسابيع.

المؤسسة العامة للتبغ أعلنت مؤخراً ومتأخرةً عن لائحة الأسعار للموسم الحالي بارتفاع 10% عن موسم 2019 و30% عن موسم 2018، حيث سجل سعر الكيلو الواحد من صنف "شك البنت الإكسترا" 3000 ليرة سورية، والنخب الأول بـ 2300، والنخب الثاني 1750، والثالث بـ 650 ليرة، أمّا كيلو "التنباك الإكسترا" بـ 2400 ليرة سورية، والأول بـ 1750، والثاني بـ 850، والثالث بـ 500 ليرة، وجاء سعر كيلو صنف "البصما الإكسترا" بـ 3800 ليرة، وكلو صنف "البريليب الممتاز" بـ 3000 ليرة، وكيلو صنف "البرلي منشر الممتاز" بـ 2400، وصنف "الكاتريني الممتاز" بـ 3000 ليرة، وصنف "فيرجينيا الممتاز" بـ 2700 ليرة، وتصل النخب الضعيفة للأصناف الأخيرة بين 800 و500 ليرة سورية.

للوقوف عند تفاصيل تكاليف زراعة التبغ تحدثت "اقتصاد" مع المزارع "ن – ق" من محافظة اللاذقية حيث أكّد صراحة أنّ زراعة التبغ تدرّ أرباحاً هائلة لمن يزرعها، وتختلف تكاليفها من صنف لآخر وبين مروي وبعلي، وتتراوح في حدودها الدنيا بين 600 إلى 800 ليرة سورية للكيلو الواحد تتوزع كأسعار بذار وأسمدة ومبيدات ومصاريف تنقل وغيرها، كما يُنتج الدونم الواحد بين 200 إلى 600 كيلو غرام بحسب طبيعة التربة.

يسيطر على سوق التبغ ومشتقاته منذ سنوات طويلة في سوريا المؤسسة العامة للتبغ "got" وتتبع لوزارة الصناعة وبإشراف خاص من القصر الجمهوري دون وجود أية جهة رسمية تحمل صلاحية الرقابة عليها، ويديرها حالياً محسن عبيدو الذي شغل سابقاً مديراً عاماً للمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء والمؤسسة العامة للخزن والتسويق.

وتحدد المؤسسة العامة للتبغ المساحات المخصصة لزراعة المادة، كما وتلزم المزارعين ببيع كافة الإنتاج لها وفقاً للتسعيرة الرسمية دون وجود أيّة جهة تنافسية أخرى بطريقة شرعية. ويعتقد كثير من المراقبين أن عائدات التبغ يتم تحويلها إلى القصر الجمهوري دون مرورها بموازنة الدولة قانونياً على غرار عائدات النفط.

تبلغ المساحات المخصصة لزراعة التبغ في سوريا حوالي 5500 هكتار، وبلغت كمية الإنتاج في الموسم الماضي 2019 التي وصلت للمؤسسة بنحو 11225 طناً قُدرت قيمتها آنذاك بـ 18 مليار ليرة سورية. وبحسب مزارعين فإن التبغ المهرب لا تقل كميته عن التبغ المُباع للمؤسسة.

وجراء عمليات تهريب التبغ، يغيب عن الأسواق السورية الدخان الوطني الذي تم رفع أسعار أصنافه في الشهور الأخيرة الماضية بنحو 35% وبات يُباع في السوق السوداء بشكل شحيح وفي "صالات السورية للتجارة" بمعدل علبتين يومياً لكل مُدخن، ليحل مكانه بكثافة دخان إيراني وروسي من نوعيات رديئة جداً.

 ويُقدر عدد المدخنين في سوريا بنحو 4،5 مليون إنسان تتراوح أعمار أغلبهم بين 20 و40 عاماً. ويغيب عن المشهد منذ سنوات التوعية الحكومية لمخاطر التدخين.

ترك تعليق

التعليق