"الجدري" يواصل فتكه بأبقار طرطوس.. ولا تعويضات تلوح بالأفق


تسعة ملايين ليرة سورية خسرها المزارع "أبو فؤاد" خلال شهر واحد فقط جراء انتقال جائحة "الكتيل الجدري" إلى حظيرة أبقاره في مزرعته بمحافظة طرطوس، حيث نفقت لديه ثلاثة أبقار ولا زال صامداً بمحاولة علاج ثلاثة أبقار أخرى كبدته ثمناً للدواء وأجور طبيب بيطري حوالي مليوني ليرة سورية حتى الآن.

تتزايد أعداد الأبقار النافقة في محافظة طرطوس جراء انتشار واسع لمرض "الكتيل الجدري" في ظل عجز وزارة الزراعة بنظام الأسد في تأمين العلاج المناسب وتلبية احتياجات المزارعين ومنح التعويض اللازم.

اكتشفت دوائر نظام الأسد المرض المعدي منذ العام 2013 لكنها فيما يبدو بقيت متكتمة على الأمر دون حتى تحذير المزارعين من مخاطر انتقال العدوى إلى مزارعهم ومخاطر بيع لحوم الأبقار المريضة للقصابين مما أدى إلى تفاقم الأمر وخروجه عن السيطرة مسبباً خسائر مادية كبيرة ومخاوف صحية عديدة.

يُعرف مرض "الكتيل الجدري" أو "جدري الأبقار" على أنه مرض فيروسي يُصيب الأبقار فقط، وينتقل عن طريق الحشرات ماصات الدماء "كالذباب والناموس"، وتحتضن البقرة المصابة الفيروس لمدة 15 يوماً، يتسبب لها بارتفاع درجة حرارة الجسم إلى 41 درجة مئوية وضعف الشهية وهُزال وقلة بإنتاج الحليب.

"حكومة متقاعسة جداً"، يقول لـ "اقتصاد" الطبيب البيطري "علي، ق" العامل في محافظة طرطوس، ويُضيف: "رغم توفر العلاج عالمياً إلّا أنّ الحكومة تكتمت على الجائحة ولم تسعى لتوفير العلاج"، مبيناً أن اللقاح المستخدم منذ اكتشاف أول حالة هو منتج محلي تم تصنيعه في وزارة الزراعة ومعتمد من قبل منظمة الأوبئة العالمية "OIEl" لكنه مخصص لعلاج جدري الأغنام والماعز، إذ يمنح لها مناعةً بنسبة 60 إلى 70%، إلّا أنّه لا يُوفر أي نسبة مناعة لدى الأبقار.

وأشار البيطري أنّه كطبيب مختص لا يستطيع مساعدة المزارعين سوى بتقديم خافضات حرارة وأعلاف خضراء وبعض المعقمات والمطهرات، وينصح بحجر البقرة المصابة بمسافة بعيدة جداً عن الحظيرة وغسلها بمياه باردة، ويُعد ذلك محاولة نسبة الفشل فيها تتجاوز 90%.

لم تنجح وصفة البيطري ونصائحه في علاج أبقار المزارع أبو فؤاد الذي خسر نصف أبقاره، ويُعبّر عبر "اقتصاد" عن استياءه العميق بسبب تجاهل وزارة الزراعة أعباء المزارعين وعدم تعاطفها معهم ورفضها تعويضهم عن خسائرهم بأي شكل، ما دفعهم إلى اللجوء للأطباء البيطريين المغمورين بالعجز بسبب عدم توفر العلاج من قبل الدوائر الرسمية وباعترافٍ منها.

عشر آليات مزودة بالمرشات الرذاذية والضبابية شاركت بحملة لمكافحة الحشرات الماصة في حظائر تربية الأبقار بهدف كسر سلسلة العدوى والحد من انتشار المرض، هذا كل ما قدمته مديرية زراعة طرطوس، وللمزارع "أبو رياض" رأي آخر، إذ قال لـ "اقتصاد" أنّ المديرية لم ولن تتمكن من الوصول إلى كافة الحظائر بسبب اقتناء بعض المزارعين أبقاراً تم إدخالها إلى سوريا تهريباً عبر لبنان ولم تُسجل قانونياً، ناهيك عن عدم ضمان دفن البقرة المصابة النافقة بشكل مناسب من قبل صاحبها الذي تكتم عليها، ما يُؤشر لتزايد كبير في عدد الاصابات التي سجلها مؤخراً اتحاد الفلاحين في طرطوس بمجمل1000 حالة نفوق، علماً أنّ أعداد كبيرة لم يُعلن عنها بعض المزارعين تخوفاً من المساءلة.

أمّا صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية في وزارة الزراعة فلا زال يدرس مسألة تعويض المزارعين عن نفوق أبقارهم بتقديم العلف أو المقننات، دون الإيحاء بأي تعويض مادي، متجاهلاً عدداً كبيراً من الأُسر التي كانت تعتمد بمعيشتها اليومية على أبقارها قبل نفوقها.

يبلغ سعر البقرة الواحدة حالياً في سوريا بين 3 و3.5 مليون ليرة سورية، أي بنحو 1600 دولار أمريكي بسعر صرف 2000 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.

 وأدى نفوق عدد كبير من الأبقار وإصابة عدد أكبر إلى فقدان مادة الحليب من الأسواق ما تسبب برفع سعرها، حيث يُباع كيلو الحليب حالياً بين 800 و950 ليرة سورية بعد أن كان بنحو 500 إلى 600 ليرة. أما لحم البقر فبقي محافظاً على سعره بين 15 إلى 16 ألف ليرة.

 ويتخوف المواطنون بحسب مصادر محلية من عمليات بيع أبقار نافقة أو مصابة للقصابين ووصولها للزبائن بعد ذبحها دون اكتشافها من قبل مديرية حماية المستهلك أو وزارة الصحة.

وشهدت الثروة البقرية السورية تراجعاً مستمراً بوتيرة متسارعة، حيث فقدت خلال العامين 2011 و2012 أكثر من 300 ألف بقرة، وبقي الاعتماد آنذاك على 200 ألف بقرة، حتّى تراجع العدد في العام 2017 إلى 30 ألف بقرة فقط، ما فرض على نظام الأسد استئناف عمليات الاستيراد منذ أن توقفت قبل 30 عاماً. وتعد دول "تشيلي - أيسلندا - استراليا فنلندا - النرويج - النمسا - هنغاريا - كوستاريكا - الدنمارك - البرتغال - هولندا - بيلاروسيا - بلغاريا – نيوزيلندا - إيطاليا" أبرز دول الاستيراد وفقاً للمواصفات والمعايير المطلوبة.

ترك تعليق

التعليق