فنان سوريّ يستلهم التراث العمراني لبلاده في مجسمات خشبية بألمانيا


بأدوات يدوية بسيطة لا تتعدى المقص والمشرط والمسطرة، تمكن الفنان السوري الشاب "محمد الناطور" من تصميم عشرات المجسمات الخشبية لمعالم من تراث دمشق المعماري القديم بدقة متناهية وبراعة فنية تبدو لمن يراها أقرب إلى الواقع.

 وفي هذه الأعمال التي تزين جنبات محترفه الخاص بمدينة ديسبورغ الألمانية -شمال الراين- تتبدى قدرة "الناطور" على ملامسة التفاصيل العريقة المنسية اليوم من وحدات زخرفية وشبابيك ومشربيات تراثية وأقواس وسواكف وقناطر وشرفات تنضح بعبق الماضي ورائحة التاريخ.

وينحدر الناطور من مدينة دمشق ورغم شغفه واهتماماته المبكرة بالفن رسماً ونحتاً لم يرغب بدراسة الفنون الجميلة لكون الفن موهبة بالدرجة الأولى–كما يقول لـ"اقتصاد"- بل اتجه لدراسة الأدب الانكليزي بجامعة دمشق، وتعلم الفن والنحت تحديداً عن طريق زملاء فنانين في سوريا، وبعد ذلك طور تجربته وبدأ-كما يقول- بالقراءة عن الفن الحديث ونظرياته وفنون العصور الوسطى.


 وكشف الناطور أن بداية تجربته النحتية كانت من خلال الطين، ثم تحول بعدها إلى الخشب، ولفت إلى أنه أقام عدة معارض لأعماله الخشبية في دمشق واختار أن يبتكر أشياء جديدة، ولم يكن يرغب في تكريس أعماله في مجال النحت أو مجال الرسم لكثرة من يمارسون هذين المجالين الفنيين بل حاول-حسب قوله– أن يبرز بين هذين المجالين من خلال نوع جديد وهو "فن التجسيد" ولكنه ليس تجسيداً عادياً بالكرتون أو المواد الخام المألوفة بل بالخشب نفسه دون إضافة ألوان للعمل الفني واغتنام ألوان الخشب الطبيعية لإضفاء طابع أقرب للواقعية.

 وكان "الناطور" بصدد إنجاز أضخم عمل تم تجسيده في العالم بمساحة 1 كم لمدينة دمشق القديمة وكانت الفكرة أن ينتقل هذا المجسم إلى أوروبا لتعريف الغربيين بدمشق القديمة، ولكن المشروع توقف بسبب ظروف الحرب.


 وتابع محدثنا أنه توظف بعدها في المتحف الوطني وتخصص بمادة الترميم الأثري (الفريسك) وبقي في المتحف إلى العام 2015 وقرر بعدها الخروج من سوريا حيث لجأ إلى لبنان بداية ومن ثم تركيا وصولاً إلى ألمانيا.

في ألمانيا التي لجأ إليها عام 2015 بدأت مرحلة جديدة في حياة الفنان الشاب، حيث تمكن من إنجاز ما يقارب الـ 400 عمل فني نحتي من بينها منحوتة خشبية باسم أوغاريت نحت عليها الأبجدية الأولى في التاريخ التي اكتشفت في الساحل السوري، وكذلك منحوتة باسم السجن وهي عبارة عن باب خشبي وخلفه رجل بملامح محزنة ويقوم بمد رأسه من الباب باحثاً عن الحرية ولكنه لا يحصل عليها لأن جسده مأسور في الداخل، وهي منحوتة توحي بأن خيال هذا السجين حر ولكنه سجين فيزيائياً.


ولم يكتف الناطور بمادة الخشب بل عمل بمادة الموزاييك أيضاً وهي المهنة التي تعلمها في دمشق وإحدى أعماله في هذا المجال تم تعليقها على جدران أحد المتاحف في مدينة "ديسبورغ".

 ويعكف "الناطور" على إنجاز أكبر لوحة موزاييك واقعية من المقرر أن تعرض في "النورد هالم"- شمال الراين- وستنتقل بعدها لتعرض داخل قاعة المتحف الرئيسية، وتجسد هذه اللوحة التي أنجزها بمساعدة ما يقارب 200 متطوع ألماني معالم أثرية تتعلق بنهر الراين، وبدأ بعدها بأكبر لوحة فسيفساء في العالم تضم معالم وصروح حضارية من كل دول العالم، ولكن تم إيقاف المشروع حالياً بسبب فيروس كورونا، واستغل -كما يقول- ذلك بتنفيذ لوحة دمشقية يبلغ طولها 10 أمتار مستخدماً فيها أكثر من 10 آلاف قطعة خشبية واستغرق تنفيذها 6 أشهر.


ترك تعليق

التعليق