"كورونا" ترفع أسعار ألبسة الشمال.. وتُفقد سكانه بديلهم الوحيد


لم تتمكن "أم وداد" المهجرة من ريف دمشق إلى شمال سوريا من شراء ألبسة الشتاء جرّاء الأسعار السياحية في محلات بيع الألبسة الجديدة وارتفاع أسعارها عن المعتاد في محلات "الألبسة الأوروبية المستعلمة - البالة".

تحتاج أم وداد بحسب ما قالت لـ "اقتصاد" إلى مبلغ ما بين 100 و 150 دولار لكساء أطفالها الثلاثة بألبسة جديدة، أو بين 50 و 100 دولار لشراء ألبسة "البالة". ويدفعها المورد الضئيل لزوجها العامل في مطعم شعبي براتب شهري لا يتجاوز 50 دولار إلى تناسي فكرة الشراء، إذ باتت تقنع نفسها بأنّها ممن أسعفهم الحظ بوجود بعض الملابس القديمة الصالحة نوعاً ما لشتاء آخر.

شتاء آخر يطل على السوريين "صامدين في منازلهم أو نازحين" وسط هاجس مؤرق يُلازمهم منذ سنوات اتسمت بانعدام استقرار الأسعار وارتفاع معدل البطالة وتزايد نسبة الفقر وعجز أرباب الأُسر عن تلبية احتياجات أطفالهم في كافة المواسم والمناسبات.

 ولم تنحصر الأعباء في دائرة تأمين وسائل التدفئة كالـ "الماوزت أو الحطب أو الغاز أو السجاد"، إنّما تنامت حتى وصلت إلى الألبسة الشتوية التي تقي الأفراد من البرد والمطر والصقيع وتُعدّ من أبسط احتياجات الإنسان، وباتت تتصدر أحاديثهم بحرقةٍ وغصّة.

رصد "اقتصاد" أسعار الألبسة الشتوية في الأسواق، حيث تُسجل ارتفاعاً عن العام السابق بنسبة لا تقل عن 30% في أحسن الأحوال، ويُباع سعر المعطف الولادي بحدوده الدُنيا وبالسعر الوسطي بين 12 و 18 ألف ليرة سورية بحسب نوع القماش والجودة، والكنزة الصوف الولادي بين 6 و 9 آلاف ليرة، ولا يقل سعر بوط الرياضة الولادي عن 10 آلاف، ويُباع المعطف النسائي والرجالي بين 22 و 40 ألف ليرة سورية، والكنزة الصوف النسائي والرجالي بين 10 و 15 ألف ليرة سورية، ويبلغ سعر البوط الرجالي في حدوده الدنيا 18 ألف، وتقل أسعارها بين 40 و 50% في محلات بيع "الألبسة الأوروبية المستعملة – البالة".

وحول واقع الأسعار المرتفعة، تحدث "اقتصاد" إلى "أبو وائل"، صاحب متجر لبيع الألبسة الجديدة في "شمال حلب"، حيث قدّم العديد من العناوين التي تحتاج كل منها لبحث كثيف، أبرزها ارتباط كافة المواد في الأسواق بسعر الدولار الأمريكي، وزيادة الطلب على الألبسة في المواسم، وانخفاض أعداد ورشات التصنيع داخل سوريا جراء فقدان المواد الأولية المستوردة عبر ومن تركيا، ناهيك عن تذبذب سعر صرف الليرتين السورية والتركية أمام العملات الصعبة.

وبيّن أبو وائل أنّ حالة السوق لا زالت راكدة، ونوّه أنّ البائعين يحاولون الحفاظ على ما لديهم من بضائع تخوفاً من تطورات سلبية قد تطرأ كـ "إغلاق طرق تجارية دولية ومصانع" جراء انتشار جائحة كورونا.

كانت الحكومة السورية المؤقتة قد أوقفت في شباط/فبراير من العام الحالي عمليات استيراد البضائع من الصين في إطار الاجراءات المتخذة للوقاية من انتشار فايروس كورونا.

ساهمت ورشات تصنيع الألبسة المحلية في المراحل الأخيرة برفد السوق بحوالي 30% من إجمالي البضائع المنتشرة، وكانت أسعارها أقل بنحو 25% عن البضائع المستوردة، إلّا أنّ الظروف الحالية فرضت تقارباً في أسعار كافة البضائع "المحلية والمستوردة".

"سامي" صاحب ورشة تصنيع ألبسة متوقفة عن العمل منذ ثلاثة شهور، قال لـ "اقتصاد" إن التصنيع يحتاج لمواد "أقمشة وكلف وخيوط وملحقات أخرى"، أكثرها كانت تُستورد من الصين وأقلها من مناطق سيطرة نظام الأسد عبر المعابر التجارية "المتوقفة حالياً" بين المعارضة السورية والإدارة الذاتية في شمال حلب، مُضيفاً بأنّ المواد الأولية المتبقية في الأسواق تضاعفت أسعارها، كما أنّ حالة السوق لا تحتمل أسعاراً مرتفعة أكثر، ما دفع أصحاب المشاغل إلى تعليق إنتاجهم بشكل مؤقت وتصريف ما لديهم من بضائع بشكل تدريجي لتأمين المصاريف اليومية.

الجهات الرسمية لم تتمكن من ضبط الأسعار برغم وجود حكومتين -"المؤقتة والإنقاذ"- ومجالس محلية مركزية ولا مركزية. ومع غياب جهات معنية بتحديد الأسعار بشكل منطقي لا زالت الحكومتان تعتمدان بالدرجة الأولى على المنظمات الإنسانية في توفير البدائل وتخفيف معاناة الناس.

كانت "الألبسة الأوروبية المستعملة - البالة" على مدار السنوات الماضية بديلاً هاماً لدى أكثر العائلات السورية بسبب أسعارها المنخفضة وخياراتها المتنوعة وجودتها المقبولة نوعاً ما، أمّا الآن وبأسعارها الحالية فباتت عصيةً على الناس كحال الألبسة الجديدة.

"فخري" صاحب متجر لبيع "ألبسة البالة"، أكّد لـ "اقتصاد" أنّ شح بضائع "البالة" في الأسواق منذ عيد الأضحى أدّى إلى ارتفاع أسعارها، إذ انتبه التجار مبكراً لمخاطر بيع كافة بضائعهم المستوردة لتوقعهم بانعدام إيجاد البديل عنها في وقتٍ قريب كونها جميعها مستوردة من الدول الأوروبية.

ويتصف الشمال بأنه منطقة هشة اقتصادياً، فيها تجار يُحاولون وقاية أنفسهم من الخسائر، وجهات رسمية لا تستطيع ضبط الأسعار وفرض توازن ما بين التكلفة والقدرة الشرائية، وإغلاق معابر "جراء انتشار كورونا" أفقد السوق منتجات محلية موازية، وكما العادة يبقى المستهلك وحده الضحية.


(الصورة المرفقة أرشيفية لبسطة "بالة" في إحدى مدن الشمال)

ترك تعليق

التعليق