خطّاط الريال القطري.. قصّة تميّز سوريّة، يرويها صاحبها لـ "اقتصاد"


وضع خطاط سوريّ لمساته الفنية على العملة القطرية مستخدماً 4 خطوط لكتابة الفئات الجديدة من الريال القطري هي الثلث والمحقق والإجازة والنسخ.

 وكتب الفنان "عبيدة البنكي" الذي يقيم في قطر منذ سنوات على حسابه الشخصي في "تويتر": "أُعلن.. في قطر عن الإصدار الخامس للعملة القطرية وكان لي شرف كتابة الخطوط فالحمد لله الذي أكرمني بهذا الشرف". ويأتي هذا الإنجاز بعد إنجازه لكتابة المصحف الشريف في قطر.

وبدأ شغف البنكي بالخط العربي منذ الطفولة وقبل المرحلة الابتدائية -كما يقول لـ "اقتصاد"-مضيفاً أن والده كان مديراً لمدرسة في ريف دير الزور وكان في المدرسة أستاذ مشهور بالخط العربي ودأب على الذهاب مع والده إلى المدرسة ومراقبة حركة الأستاذ، وكيف كان يخط الأحرف، ومن حينها نشأ حب هذا الفن في داخله، وكانت لدى والده مكتبة عامرة بالكتب المتنوعة كانت عناوينها بخطوط لفنانين مشهورين كـ"هاشم البغدادي" و"وبدوي الديراني" و"سيد ابراهيم "و"حامد الآمدي"، فكان يجهد إلى تقليد هذه العناوين وتنمية موهبته بتشجيع من والده الذي كان يقرض الشعر.

ذات يوم جاء وفد من وزارة التربية إلى المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها "البنكي" وخرج حينها إلى السبورة ودوّن عبارة بخط جميل نال تصفيق وإعجاب الوفد الزائر، وهذا الموقف-كما يروي- كان دافعاً لاهتمامه وشغفه بالخط العربي واعتمد على نفسه والتدريب الذاتي، والإطلاع على أعمال الكبار. وأضاف: "في المرحلة الابتدائية كان لدي أستاذ يدعى (أحمد العاني) قدم لي بعض التوجيهات والنصائح لتجويد الخط".

 وانتقل البنكي بعدها إلى دمشق حيث التقى بالخطاط "أحمد عبد الباري" -الذي قضى جراء قذيفة بداية الثورة- واستفاد من تجربته وإرشاده، كما تتلمذ على يد الخطاط التركي المعروف "حسن جلبي" وهو تلميذ الخطاط الكبير "حامد الآمدي".

ولفت البنكي إلى أنه كان يميل في بداية حياته إلى المدرسة العراقية في الخط، التي مثّلها الأستاذ "هاشم البغدادي" ثم تحوّل إلى مدرسة الخطاط التركي "محمد شوقي" وهي مدرسة تتميز بالقوة وإتقان القواعد وضبط الخط، كما تُركز على جماليات الكتابة وتحرص على إبراز الجوانب الفنية التي ترقى بفن الخط العربي، وتسنى له فيما بعد فرصة المشاركة في العديد من المسابقات الدولية ومنها مسابقة أرسيكا التي حاز منها على 9 جوائز في خطوط مختلفة الثلث والنسخ والتعليق الجلي والتعليق العادي والريحاني، وتم اختياره ليكون حكماً في هذه المسابقة فيما بعد لخمس دورات متتالية وشارك لاحقاً في مسابقات وملتقيات للخط كثيرة في قطر والسعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان وتركيا وإيران وسوريا.

في عام 2001 أعلنت وزارة الأوقاف القطرية عن مسابقة لكتابة المصحف الشريف وحينها -كما أوضح البنكي- كان يدعو الله باستمرار أن يهيئ له هذه المهمة ويرزقه خط كتابه الكريم، مضيفاً أن الوزارة المذكورة وجهت حينها دعوات للمتميزين بكتابة الخط العربي وبخاصة الحاصلين منهم على جوائز دولية في كتابة خط النسخ فوصلته دعوة للمشاركة في المسابقة التي فاز بجميع مراحلها، وأردف أن الحكومة القطرية وفّرت له مع الخطاطين الآخرين عند قدومهم كل مستلزمات المعيشة ليتفرغ بشكل كامل لكتابة القرآن الكريم عام 2003 واستمر هذا العمل حوالي ثلاث سنوات ونصف ما بين كتابة ومراجعات، وتمكن من إنجاز نسختين للقرآن الكريم المخطوط نسخة لقطر وأخرى للكويت وبات المصحف الوحيد المتداول في المساجد بعد سحب المصاحف القديمة.


وحول اختياره للكتابة على العملة القطرية، روى الخطاط الحاصل على وشاح الاستحقاق من أمير قطر، أن هذا الاختيار جاء من كونه فاز بمسابقة خط القرآن الكريم في قطر فتم ترشيحه لكتابة العملة الوطنية القطرية، وأضاف أنه أجرى العديد من التجارب في جميع الخطوط وتم الإجماع على 4 خطوط وهي "الثلث" و"المحقق" و"الإجازة" و"النسخ". وكانت العملة القطرية مكتوبة سابقاً بخط الديواني الذي لم يكن واضحاً أو لا تسهل قراءته، وكانت الفكرة اختيار خطوط لها جمالية وواضحة في نفس الوقت كالخط الثلث الذي يعبر عن الاحتشام والوقار والفخامة، ويحتاج إلى وقت طويل لتعلمه، وأيضاً الخط "المحقق" الذي يعتبر من أجمل الخطوط وأصعبها ويمتاز بالأبهة والرزانة وعدم تداخل الحروف، كما أنه يكتب على إيقاع واحد وكان هذا النوع من الخط –كما يقول- مقياساً لباقي الخطوط.


وكشف البنكي أنه استخدم أربعة خطوط وهي خط الثلث الذي كتب به عبارة "مصرف قطر المركزي" والخط المحقق في أرقام العملات وخط الإجازة الذي كتب به عبارة "ورقة نقدية ذات قيمة" وخط النسخ في آخر سطر بعبارة "حاكم مصرف قطر"، وجميع الخطوط-حسب قوله- واضحة ومقروءة وذات جمالية خاصة.


وأشار الفنان الذي يعمل خطاطاً في مركز الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (فنار) إلى أن اهتمامه منصب حالياً على خطي الثلث والنسخ، فالثلث يعتبر أبو الخطوط –حسب قوله –ومن خلال التدريب والتمرين على هذا الخط يستطيع الخطاط أن يبدع في بقية الخطوط الأخرى لذلك يحتاج هذا النوع من الخطوط إلى تدريب يومي. واستدرك أن الخط كالرياضة إذا انقطع الإنسان عن التدريب يفقد لياقته ومرونته، والعلم وحده لا يكفي إذا لم يستمر الخطاط في التدريب والمران.

وعبّر الفنان القادم من ضفاف الفرات عن طموحه بكتابة القرآن الكريم مجدداً بروايات متعددة، لافتاً إلى أنه يقوم حالياً بكتابة مصحف يحاكي فيه النسخ التراثية من المصاحف مستخدماً فيه خطي الثلث والنسخ كما اعتاد الخطاطون القدامى في النسخ التي وصلت إلينا من بداية الدولة العثمانية والعصر المملوكي وهي مصاحف جميلة كانت متداولة في الماضي ولكن استعادتها هو عمل متحفي، حسب وصفه. كما يطمح إلى تأسيس مركز لتعليم فن الخط العربي وفق أصوله الكلاسيكية وإحياء هذا التراث كما في تركيا التي حملت لواء هذا الفن وحافظت عليه لمئات السنين ولا تزال.

ترك تعليق

التعليق