عناوين في أزمة الخبز


مجدداً، كشف اعتصام الأسبوع الفائت في "محافظة حماه" عجز نظام الأسد عن تأمين أبسط مقومات الحياة لا سيّما مادة الخبز منها، ورفع الدعم الرسمي عنها بشكل تدريجي دون إعلان ذلك لما له من أثر سلبي على نفوس الناس والرأي العام.

حراك محدود

عدم حصول أهالي "بلدة القمحانة" على حصتهم من مادة الخبز لأيام متتالية دفع بعضهم إلى تنفيذ اعتصام صامت رُفعت خلاله لافتات تُندد بالمحسوبيات والفساد وفقدان العدالة بالتوزيع.

مصدر شارك في الاعتصام قال لـ "اقتصاد" إنّ الجهات الرسمية لا زالت تحاول التقليل من أزمة نقص المادة عبر وضع ذرائع كاذبة أبرزها كثرة الفاسدين في إدارة مخابز المحافظة، ودون أن يُقلل المصدر من ذلك أشار أنّ السبب الرئيسي لانقطاع المادة هو تحويل الطحين الوارد لمستودعات المخابز الخاصة والعامة إلى ميليشيات الدفاع الوطني التي تقوم بإعادة بيعه في الأسواق.

وأكّد المصدر شكاية الناس من سوء نوعية رغيف الخبز المنتج في كافة المخابز، إذ يحتوي على روائح "حموضة"، وغالباً ما يكون غير صالح للاستهلاك البشري، ناهيك عن الحجم الصغير والقساوة.

فقدان تام لمادة الطحين

للوقوف أكثر على أسباب نقص مادة الخبز في كافة الجغرافيا التي يُسيطر عليها نظام الأسد تحدث "اقتصاد" مع أحد مدراء المخابز الرسمية في محافظة حماه -رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية- حيث أكّد أن مستودعات المخابز خالية تماماً من الطحين جراء ضعف عمليات الاستيراد، علماً أن النظام سمح باستيراده بشكل حر ودون تقييد منذ آذار الماضي، وعدم اكتفاء المخابز من القمح المحلي بسبب النقص الحاد الناتج عن حرق محاصيل القمح في العديد من المناطق لا سيما الشرقية منها في العام الماضي، إضافةً إلى عدم تمكن وزارة التجارة الداخلية من شراء محاصيل الموسم الحالي والماضي من المنطقة "الشرقية الشمالية" التابعة لإدارة "قسد".

تمكن نظام الأسد في الموسم الأخير من توفير نحو مليون طن قمح، منها 350 ألف طن عبر الاستيراد، و700 ألف طن إنتاج محلي، أي ما يكفي لسد حاجة نصف عام لا أكثر، إذ أنّ سوريا تحتاج سنوياً لأكثر من 2 مليون طن بحسب بيانات رسمية سابقة.

محاسن الصدف

برغم اختلاف تبريرات مسؤولي نظام الأسد عبر وسائل إعلامه، إلّا أنّ كافة طرقهم تؤدي إلى اجتماع الصدف في وقت واحد، بدءاً من توقف بعض المخابز الخاصة عن العمل جراء الصيانة، وانخفاض مخصصات المحروقات، وزيادة تقنين ساعات الكهرباء، وصولاً إلى قساوة القمح المحلي، حيث أدّت جميعها "بزعمهم" إلى انخفاض الإنتاج وعدم ملائمته للمعايير والجودة، ولم تعزي تصريحاتهم نقص الإنتاج وانتشار الطوابير "ولو إيحاءً أو نسبياً" إلى فشل دوائر النظام في توفير احتياجات الناس.

بطاقة ذكية وسوق سوداء

في إطار الحلول والاجراءات التي تحد من الطوابير والازدحام فرض النظام في نيسان العام الماضي 2020 بيع مادة الخبز للمستهلكين عبر البطاقة الإلكترونية "الذكية" وفق نظام شرائح حدد فيه نصيب الأسرة المكونة من 3 أفراد بـ 7 أرغفة، و14 رغيف للعائلة المكونة من 5 أفراد، و21 رغيفاً للعائلة المكونة من 8 أفراد، واتسم ذاك الإجراء بالفشل بسبب التوزيع غير العادل واتساع مساحة الفساد والمحسوبيات، وجراء ذات الطوابير والاختناقات انتشرت ظاهرة بيع الخبز في السوق السوداء بكثافة، حيث يصل سعر الربطة الواحدة فيها إلى أكثر من 700 ليرة سورية، بينما تُباع في نوافذ المخابز العامة والخاصة بـ 100 ليرة سورية، ما دفع بعض السوريون للجوء إلى البديل الوحيد المتوفر.

"أبو راكان"، يقطن في حي المجتهد وسط العاصمة دمشق، امتنع عن الوقوف والانتظار أمام نوافذ المخابز منذ حوالي العام، ويقوم عوضاً عن ذلك بشراء الطحين وتحضيره بطريقة بدائية في شرفة منزله الطابقي، ويستطيع من خلال ذلك توفير الخبز لأسرته المكونة من أربعة أفراد بعناءٍ أقل، حيث يتكبد نحو 1000 ليرة سورية لتحضير 1 كيلو "خبز صاج".

تمهيد مستمر برفع الدعم

دوائر نظام الأسد ومراكز الأبحاث المقربة منه كانت خلال السنوات السابقة تمهد لرفع الدعم الرسمي عن مادة الخبز لتخفيف الضغط عن البنك المركزي، كان آخرها في شباط العام 2019 بعد نشر دراسات تفضي إلى ضرورة رفع سعر الربطة الواحدة "أقل من كيلو واحد" إلى 200 ليرة سورية مُقابل توزيع الدعم بشكل فردي على الأفراد إن كانوا موظّفين في القطاع العام أو غيرهم.

مخاطر ومخاوف

بعد أن كانت سوريا من الدول المكتفية والمُصدرة باتت اليوم مهددة بشكل أكبر بحدوث أزمة غذائية وكارثة إنسانية في حال استمر تراجع إنتاج مادة الخبز، وهذا مُرجح لأسباب كثيرة أبرزها فقدان نظام الأسد السيطرة على مساحات واسعة مخصصة لزراعة القمح، وانتشار الفوضى والفساد بشكل غير مسبوق في دوائره، وارتفاع أسعار الأسمدة والبذار، وإفلاس البنك المركزي وفقدانه للقطع الأجنبي، وانخفاض قيمة الليرة السورية التي وصلت حالياً إلى 2900 تقريباً مقابل الدولار الأمريكي الواحد، لا سيّما وأنّ إنتاج القمح انخفض من 4 ملايين طن سنوياً قبل العام 2010 إلى أقل من مليون طن حالياً، ذلك بالتزامن مع ارتفاع عدد السوريين الفاقدين للأمن الغذائي إلى نحو 9,3 ملايين إنسان بحسب البيانات الأخيرة لبرنامج الأغذية العالمي.

من الرداءة إلى الانقطاع بشكل بات شبه مستمر ومتواصل، وانتشار طوابير الناس أمام المخابز لساعات طويلة، يتضح تفاقم أزمة الخبز التي تُوحي وفقاً للإجراءات الرسمية المتخذة أنّ نظام الأسد تجاوز موضوع رفع الدعم الرسمي عن المادة، إلى الاتجار بها على حساب المدنيين المنهكين جراء الوضع الاقتصادي المتردي منذ العام 2012.

ترك تعليق

التعليق