منظمة وقنصلية.. أبرز وجوه السيطرة الإيرانية في حلب


من خلال استراتيجيات متعددة، "عسكرية - سياسية - أمنية"، تسعى إيران إلى تعزيز وجودها في كافة الأراضي السورية، حيث تتواجد حالياً بقوة وكثافة في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وتمارس تغلغلها الاقتصادي في كثير من القطاعات التجارية والصناعية والسياحية.

تحظى منطقة حلب لدى إيران بأولوية قصوى كونها العاصمة الاقتصادية لسوريا، إضافةً إلى موقعها الاستراتيجي، الأمر الذي شجعها على الإعلان رسمياً في أيار الماضي عن افتتاح قنصليتها هناك، بعد أن كانت تقدم الخدمات القنصلية بالخفاء.

الهدف الأبرز لافتتاح القنصلية هو إنشاء غرفة عمليات واسعة "عسكرية وأمنية" واكتساب شرعية التحرك في المدينة، وإعادة هندسة الاقتصاد في حلب، وتنفيذ السياسات الناعمة الهادفة إلى تغيير البنية الاجتماعية عبر أنشطة نشر التشيع والسياحة الدينية "الشيعية"، وشراء العقارات واستغلال عوز الناس بحسب ما يرى متابعون في الملف "الإيراني - السوري".

يحمي القنصلية الإيرانية في حلب ميليشيا الحرس الثوري الإيراني التي يتبع لها عدة فصائل أبرزها: "لواء الباقر - لواء فاطميون - لواء أبو الفضل العباس - حركة النجباء العراقية - فيلق الوعد الصادق - لواء الإمام الحسين - لواء زينبيون الأفغاني - حزب الله اللبناني - حزب الله السوري".

تسيطر تلك الميليشيات التي تعتبر القوة الأبرز في حلب على مطار النيرب العسكري والأكاديمية العسكرية، والمناطق المحيطة بمركز المدينة والسفيرة وجبل عزان والحيدرية والخالدية وجمعية الزهراء، وتتخذ من ثكنات نظام الأسد العسكرية منطلقاً لعملياتها ومستودعات الأسلحة والمؤونة.

ذاك الحضور وفر لإيران المرونة في توسيع دورها وتوقيع عقود اقتصادية طويلة الأمد مع نظام الأسد ووضعه تحت نفوذها بعيداً عن بقية الدول باستثناء روسيا، تلك العقود تناولت الاستثمار في قطاع الطاقة "كهرباء ونفط وغاز" والزراعة والصحة والتعليم والبنية التحتية والاسمنت والجسور والسدود والخدمات الفنية والتقنية وقطع تبديل مستلزمات المصانع والأدوية والطحين ومستلزمات الأطفال والطيران والملاحة وسكك الحديد والقطاع المصرفي والاتصالات.

وتتمسك إيران بمضامين تلك العقود رغم عدم تطبيق أي منها حتى الآن، وتعمل في مسار آخر باستخدام القوة الناعمة واستثمار العنصر البشري لتحقيق هدفها عبر إنشاء قوة اجتماعية وسط المجتمع السوري قد تستخدمها مستقبلاً في حال طرأ أي أمر يُلغي العقود أو يُعدل عليه، لا سيّما وأنها تحظى بنفوذ كبير في كافة الدوائر والمؤسسات الرسمية.

أبز وجوه القوة الناعمة "منظمة جهاد البناء" التي تأسست في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، وكان لها في البداية دور اجتماعي، ثم شاركت في العمليات القتالية أثناء الحرب "العراقية - الإيرانية"، وتعتبر الجناح الخيري لميليشيا الحرس الثوري الإيراني، وافتتحت فرعاً مركزياً لها في سوريا عام 2016، بعد أن شاركت بكثافة في عمليات إعادة اعمار الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت عقب حرب تموز عام 2006، وتُعد المنظمة الخيرية الأقوى من بين 12 منظمة إيرانية عاملة في سوريا.

بحسب تعريفها الرسمي هي منظمة خيرية تنموية اجتماعية مستقلة تهدف إلى إعادة تأهيل المستشفيات والمدارس وترميم المنازل وتوفير الغذاء والدواء، وهذا فعلاً ما تقوم به بشكل روتيني وطبيعي في المناطق ذات الغالبية الشيعية، لكن في المناطق الأخرى تحاول فقط إنشاء المجمعات الدينية "الشيعية"، وتوزيع بعض الإغاثة للوافدين إليها من غير طائفة، وتتنامى المكاسب كلما ازدادت درجة ولاء الشخص المستقطب.

تمتلك "جهاد البناء" أسطولاً من الآليات الخدمية، ولديها عدد كبير من العاملين من الجنسيات الإيرانية والأفغانية والعراقية واللبنانية والباكستانية، وافتتحت مستشفى في بلدتي نبل والزهراء لعلاج مقاتلي فصائل ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، كما قامت بتأهيل المدارس التي يرتادها أبناء المقاتلين، وتقوم بتأمين الإغاثة التشغيلية لزوجات المقاتلين وفقاً لمصادر أهلية في محافظة حلب.

المصادر ذاتها أكدت تنفيذ المنظمة لمخططات القنصلية في حلب، إذ تُراهن على استقطاب عدد كبير من العائلات مستغلةً عوزهم والضائقة المالية التي يُعانون منها، وتقوم بتشجيع الشباب ودفعهم إلى الالتحاق بميليشيات الحرس عبر منحهم بطاقة أمنية وإعفائهم من الخدمة في صفوف جيش نظام الأسد، ومنحهم راتباً رمزياً وصندوق إغاثة واحد كل شهر.

وأضافت المصادر أن طابور عمال المنظمة في حلب جميعهم حاصلون على موافقة أمنية صادرة عن القنصلية، ومن الصعب جداً على أي شخص من غير "الطائفة الشيعية" أن يلتحق بها في المجال الإنساني، كما أن القوة التي وصلت إليها المنظمة وبدعم أجهزة أمن نظام الأسد خولتها منع أية منظمة إنسانية من مزاولة أنشطتها في جميع مناطق نشاطها، ما يُتيح لها التأثير بشكل كبير في كافة نواحي الحياة الاجتماعية.

ومن المعروف عن "جهاد البناء" بين الأهالي، أنها تعمل على تنظيم البضائع المستوردة من إيران بشكل نظامي وتوزيعها بين التجار وفقاً لدرجة الولاء، كما تساهم بدرجة كبيرة في دعم وحماية مافيات التهريب التي تتمكن من إيصال البضائع الإيرانية المهربة عبر الحدود العراقية إلى مناطق نفوذها في حلب.

بعيداً عن الاتفاقيات الرسمية المبرمة بين نظام الأسد والمنظمة، تحاول الأخيرة الاستثمار اقتصادياً في الأسواق الشعبية، إذ أنها تحكم سيطرتها على نحو 40 مخبزاً، وأكثر من 30 محطة وقود، وتفرض الضرائب على أصحاب المصانع والمعامل وورش العمل والمتاجر ذات المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ومستودعات الأدوية، وتأخذ دور الوساطة المأجورة بين التجار وميليشيات الحرس الثوري لأجل تيسير عمليات ترفيق البضائع، وتنشط بكثافة في عمليات شراء العقارات وتمليكها لعناصر الحرس الثوري من أصحاب الجنسيات "الإيرانية والعراقية".

تلك الإجراءات تضاعف بالضرورة من معاناة السكان وتنقلهم من أزمة معيشية خانقة إلى أخرى، حيث تُساهم في رفع أسعار المواد الغذائية الرئيسية عند نقاط مبيع المستهلك جراء الضرائب العالية.

يُذكر أن وزارة الخزانة في الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أدرجت في نيسان 2016 "منظمة جهاد البناء" ضمن قائمة المؤسسات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وصنفتها كـ مجموعة إرهابية تمول الإرهاب.

ترك تعليق

التعليق