سوريا.. وأسطورة "أرخص من دول الجوار"


جرت العادة أن يعلّق مسؤولو النظام السوري على احتجاج الناس من ارتفاع الأسعار، بالقول إن سوريا لا زالت أرخص من كل دول الجوار. وهي إجابة غبية تحمل في طياتها عفن التفكير الحكومي الذي يعني في أبسط معانيه، وكأن البلد مخصصة لكي يتسوق منها أبناء دول الجوار، وليست مخصصة لأبناء الشعب السوري.

قبل العام 2011، حضرت في أحد المرات دردشة خاصة بين مسؤولين كبار في مكتب أحد المحافظين، بينهم عبد الله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في ذلك الوقت، وكانوا يتساءلون: لماذا نسمح للخليجي أن "يتسوح" في سوريا لمدة أسبوعين، ويفعل فيها كل ما يخطر على باله، بينما لا يكلفه ذلك سوى راتب شهر واحد فقط من وظيفته، بينما لو نظرنا للأمر معكوساً، فإن ذلك سوف يكلف السوري رواتب ثلاث سنوات على الأقل..؟

يومها خلصت الدردشة بين المسؤولين، أنه يجب على الدولة أن ترفع من مستوى دخل المعيشة في بلدها،  بحيث لا يكون الفارق كبيراً بينها وبين دول الجوار والمحيط، وإنما فارق تنافسي بسيط.

قلت لـ الدردري ونحن نهم بالخروج من مكتب هذا المحافظ: "ألستم أنتم الدولة..؟ تتحدثون عنها وكأنها شيء بعيد عنكم".. فاكتفى بابتسامة خفيفة مع هزة رأس تكاد تقول: "اللي بيعرف بيعرف.. واللي ما بيعرف بقول كف عدس".

طوال فترة حكمه، كان نظام الأسد يتعامل مع الشعب السوري على أنه شيء واطئ يمكن "الركوب" عليه وسوقه في كافة الاتجاهات، وعليه ألا يتذمر أو يشكو، ويرضى بالمقابل بكل ما يقال له من المسؤولين، حتى لو لم تقنعه وترضيه الإجابة.. إنها سياسة قائد المسيرة التي أسسها حافظ الأسد في مطلع حكمه والتي تقوم على فكرة أن الشعب يجب أن يصفق لكل ما يقوله هذا "القائد"..

وعلى سيرة حافظ الأسد، كان السوريون في الثمانينيات يعتقدون بأن هناك عناصر أمن تتنصت عليهم تحت شبابيك منازلهم، وكل من يريد أن يتحدث بشيء خارج عن القانون، كان بداية يخرج ويتفحص الشبابيك حول البيت، ثم ينظر إلى الأفق في كل الاتجاهات لكي يتأكد من أن أحداً لا يوجد بالقرب منه، وبعدها يدخل ويقول كلمته بصوت هامس.

هذا الواقع أربك الناس وجعلهم يضطربون من أدنى حركة، ويشكون في كل من هم حولهم، بما في ذلك الأقارب من الدرجة الأولى، أما على مستوى المسؤولين، فقد تحولوا هم الآخرين إلى طبقة من المهرجين، الذين يعلمون أن ما يقولونه ليس أكثر من كلام فارغ، لكنهم بنفس الوقت يدركون بأنهم مسلحين بهذه القوة الأمنية الخفية التي لا تزال ترعب السوريين، ولا تدفعهم للاعتراض على كلامهم، مهما كان تافهاً وضحلاً.

ترك تعليق

التعليق