النظام السوري "يطلق" شعبه


في الواقع الحالي الذي تعيشه سوريا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، تقول المعطيات بأن الأمور ذاهبة إلى ما هو أبعد من السوء بكثير، لدرجة أن هناك اعتقاد راسخ لدى الكثير من السوريين، بأنه في اللحظة التي قد يسقط فيها النظام، فإنهم سوف يدخلون على الناس في بيوتهم ويقتلونهم هم وأطفالهم ونساءهم، لتتحول البلد إلى بحر من الدماء.

هذه الصورة كرستها أفعال النظام الإجرامية في السنوات التي تلت أحداث الثورة السورية في العام 2011، عندما لم يوفر طفلاً أو إمرأة من الاعتقال والتعذيب ومن ثم الذبح.

وقبل ذلك فعلها حافظ الأسد في حماة في العام 1982، ليعطي درساً للسوريين بأن إجرام النظام يفوق أي تصور، ويمكن أن يفعل بهم ما لا يخطر على بالهم، إذا ما فكروا بإزالته.

لذلك يستقر في وجدان بشار الأسد كل هذا التاريخ الإجرامي لأسرته ونظامه، وإلا لما أوعز برفع شعار "الأسد أو نحرق البلد"، كتعبير صريح عما يمكن أن يقوم به في حال استمر السوريون في ثورتهم.

اليوم، يرى الكثير من المراقبين أنه مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلد، فإن الشعب السوري ذاهب ركضاً نحو مجاعة مؤكدة، بسبب تفاقم الهوة بين متوسط الدخل وتكاليف المعيشة الحقيقية. بينما لا يتحدث أحد عما سيجري للنظام السوري، لأنه منذ العام 2020، أخرج نفسه وفي اللحظات الأخيرة من فرضية انهياره من بوابة الاقتصاد.. فكيف فعل ذلك؟

لقد انتهى العام 2019، وكان سعر صرف الدولار دون الـ 1000 ليرة بقليل، وقبل هذا التاريخ بشهرين أو ثلاثة، كان سعر الصرف بـ 600 ليرة فقط. وأغلبنا ربما يتذكر اجتماعات رجال الأعمال البارزين في فندق الشيراتون بدمشق، التي جرت في الشهر التاسع من ذلك العام، وكيف تم إجبارهم على تقديم تبرعات مالية بالدولار للنظام، منها على سبيل المثال 20 مليون دولار من قبل سامر الفوز لوحده، الذي سيتوارى عن الأنظار بعد ذلك ومن ثم تختفي أخباره بالكامل عن ساحة الحدث الاقتصادي السوري.

كانت تلك الاجتماعات هي آخر محاولات النظام لإجبار من تبقى لديه من رجال الأعمال، لدعمه، وعندما وجد أن الأمر ليس بهذه السهولة، أوعز للاقتصاد بأن يأخذ راحته وينهار، وكان ذلك بالتحديد بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020.

هذا التاريخ كان مفصلياً بالنسبة للاقتصاد السوري، لأن ما جرى بعده، كان انهياراً بسرعة الصاروخ، وإن كان البعض يشير إلى ما قبل هذا التاريخ بشهرين تقريباً، عندما تم عزل رئيس الوزراء عماد خميس في 11 حزيران من ذلك العام وتعيين حسين عرنوس بدلاً عنه، حيث أن خطة النظام كانت معدة مسبقاً، وهي رفع الدعم تدريجياً عن جميع السلع والخدمات، وهو ما بدأ بفعله هذا الأخير لدى تسلمه منصبه على الفور.

بكل الأحوال، يمكن القول أن تزامن الحدثين، انفجار مرفأ بيروت وتعيين حسين عرنوس رئيساً للوزراء، لا يلغي فكرة أن الانفجار سرع من خطط النظام للانسحاب من مسؤولياته نحو الشعب، لصالح حماية نفسه فقط، والاكتفاء بدعم الدائرة الضيقة حوله، التي سوف تبقيه إلى ما شاء جاثماً على رقاب السوريين، مهما ساءت الأوضاع الاقتصادية في البلد.

باختصار، لقد تسلم عرنوس منصبه، وسعر صرف الدولار نحو 2800 ليرة، واليوم يتجاوز الـ 12 ألف ليرة، وهذا الفارق بين الرقمين في غضون ثلاث سنوات، ليس اعتباطياً، ولم يكن مفاجئاً للنظام، بل يقول البعض إن النظام مستعد لسيناريوهات "أوحش" من ذلك بكثير، وهو أن يساوي فيها راتب الموظف دولاراً واحداً فقط، وليذهب الشعب السوري للجحيم..!

أخيراً، ما يقوم به النظام من عمليات بيع لقطاعاته الاقتصادية، ليس الهدف منها دعم الشعب السوري، وإنما دعم استمراره واستمرار مؤسسات الدولة في حدها الأدنى، وبالنسبة للسوريين ممن لا يعجبه الوضع، "فلينطح رأسه بالحيط".

ترك تعليق

التعليق