ما بين الاحتكار والأرباح الفاحشة واشتراطات السعر...هكذا عشق التجار نظام الأسد؟....فهل تغيّر ذلك اليوم؟

تجار الجملة كانوا يحققون قبل الثورة أرباحاً تتجاوز 200% 
إضافة 5 % على رسم الإنفاق الاستهلاكي باسم المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار.
يبدو أن التجار السوريين في المناطق الخاضعة للنظام، وخاصة العاصمة دمشق، يكافحون اليوم للمحافظة على حدّ مقبولٍ من الأرباح المتراجعة بفعل الأزمة الراهنة، لكن على عكس ما يظن البعض، تجارنا لا يخسرون اليوم، لكن معدلات أرباحهم ربما تراجعت فقط، وبنسب مئوية كبيرة.
يؤكد مصدر مطلع على نشاطات وصفقات تجارية في دمشق لـ"اقتصاد" أن تجار العاصمة ما يزالون يربحون، لكنهم كانوا قبل الأزمة يحققون أرباحاً فاحشة قد تصل في بعض أنواع السلع إلى 100% وأحياناً 200%، وربما في حالات محددة أكثر من ذلك، أما اليوم فأرباحهم تراجعت، لكن يخطئ من يظن أنهم دخلوا طور الخسارة.

إحدى القضايا التي تفسّر أسباب عدم تحرك بعض التجار وتمسكهم بالنظام، أو سعيهم للوقوف على الحياد، مرتبطة تحديدا بالهامش الكبير للربح الذي كان متاحا لهم قبل الثورة، من جانب النظام، وبالتحالف مع رموزٍ فيه.

وكان الاحتكار أحد أبرز مظاهر ضبط السعر في السوق بما يناسب مصالح التجار وأرباحهم الفاحشة، إلى جانب اشتراطات السعر التي كان تجار الجملة، وما يزالون، يفرضونها على تجار المفرّق، للحفاظ على قيم أسعار مرتفعة.

بصورة غير شرعية، وبرعاية غير مباشرة، وأحياناً مباشرة، من النظام، كانت السلع تقسّم كمناطق النفوذ بين الدول، بحيث تتولى كل مجموعة من التجار سلعة محددة، ويتحكمون في سعرها، في أجواء تخلو من المنافسة.
اختلف المشهد اليوم بصورة ما، فالنظام بات بين نارين، الحفاظ على تحالفه الوثيق مع التجار من جهة، وتأمين حد أدنى مقبول معيشيا لمن بقي من السوريين تحت سيطرته عبر ضبط الأسعار في السوق من جهة أخرى، ويبدو أن النظام بدأ يعرج على حساب التجار، وإن كان هامش الربح المتاح لهم ما يزال مقبولاً.

الوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة للصناعيين، وإن كان التجار حظهم أفضل في الأزمة، فالكثير من الصناعيين تعرضت منشآتهم لأضرار بليغة بفعل الاقتتال والقصف الذي طال عدداً من المناطق الصناعية في العديد من المحافظات.

في نهاية الأسبوع الفائت، وجّهت مديرية مالية محافظة دمشق كتاباً إلى غرفة صناعة دمشق طلبت فيه التعميم على الصناعيين الذين تخضع منتجاتهم لرسم الإنفاق الاستهلاكي بإضافة نسبة 5% على هذا الرسم المتوجب تسديده اعتباراً من 1/9/2013 باسم المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار.

رد الصناعيين أتى سريعاً، إذ كشف مصدر من غرفة صناعة دمشق وريفها، عبر أحد الوسائل الإعلامية الموالية للنظام، أن الفعاليات الاقتصادية "ستضطر" إلى إضافة 5% على السعر النهائي للمنتجات المشمولة برسم الإنفاق الاستهلاكي، ما يعني أن بعض المنتجات "ستشهد ارتفاعاً" بمقدار هذه النسبة، وأن المستهلك النهائي "سيسدد" هذه القيمة بشكل أو بآخر.

وتشمل قائمة المواد والسلع المشملة برسم الإنفاق الاستهلاكي الزيوت والسمون النباتية والحيوانية والبن والسكر والحليب والأرز والموز وغيرها.
المصدر الصناعي توقع أن الزيادات المرتقبة في الأسعار "لن ترهق" كاهل المستهلك، ودعا كل الفعاليات الاقتصادية إلى "الالتزام بها".

بطبيعة الحال، ما دامت الزيادة على تكاليف الإنتاج ستنعكس زيادة في الأسعار، وأن المستهلك النهائي هو من سيسدد فعلياً رسم الإنفاق الاستهلاكي، يمكن للصناعيين الاطمئنان إلى أن الحصانة التي يحفظها النظام لمصالحهم، ما تزال قائمة.

ليس بعيداً عن ذلك، كان الجدل بين التجار وبين حكومة النظام، التي كانت قد ألمحت أكثر من مرة في الأشهر القليلة الماضية إلى أنها قد تصادر عملية الاستيراد منهم بغية التخفيف من التكلفة النهائية للسلعة على المستهلك، قبل أن تعود لتؤكد بأنها ليست بصدد مصادرة مهنة الاستيراد فعلياً، إنما هي بصدد الدخول على خطّها كمنافس للتاجر بغية تخفيض الأسعار.

حتى الآن لم تترجم التصريحات سابقة الذكر من جانب الحكومة إلى أفعال، ربما باستثناء استيراد الدجاج الإيراني المجمد، الذي بيع أرخص من السوق بنسبة تقارب 30%.
لكن ما سبق لا يعني أن معدلات أرباح التجار لم تنخفض.

يقول مصدرنا الخبير في شؤون العمل التجاري بدمشق، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن التاجر لم يخسر شيئاً بفعل الأزمة الراهنة، فهو خفّف العمالة إلى الثلث في معظم الحالات، ورفع الأسعار، لكن النسبة المئوية لأرباحه تراجعت. 

ويروي المصدر نقلاً عن تاجر "مشمعات" أخبره بأن ثمن الكيلو غرام من أحد النوعيات كان قبل الثورة بـ 150 ليرة، وكان تاجر الجملة يرفض أن ينزل بالسرعة نهائياً، أما اليوم فتاجر الجملة يعرض نفس النوعية بـ 1.5 دولار للكيلو، أي بـ 75 ليرة بأسعار ما قبل الثورة، ما يعني أن تجار الجملة في مجال "المشمعات" كانوا يربحون على الأقل 100% بالكيلو الواحد.

ويضيف المصدر أن تجار الجملة كانوا يحققون قبل الثورة أرباحاً تتجاوز 200% أحياناً، وأكثر من ذلك في حالات محددة من السلع، وكانوا يحصرون فيما بينهم السلعة المحددة بأشخاص معينيين، ويتفقون على سعر محدد، في شكل من أشكال الاحتكار، وكانوا يفرضون هذا السعر على تاجر المفرّق.

وما تزال هذه الطريقة سارية حتى اليوم، حسب المصدر، حيث يفرض تجار الجملة سعر محدد على تجار المفرّق كي يبيعوا به بضائعهم في السوق، وإذا خالفوا الاتفاق وباعوا بضائعهم بأسعار أقل، يلغي تجار الجملة أية تعاملات مستقبلية معهم، وذلك بغية التحكم بالأسعار في السوق.

ترك تعليق

التعليق