رغم قتل النظام للشعب المنتفض.. بارات و"ديسكوتات" دمشق عامرة بالرقص حتى الصباح

"حب للحياة أو عدم اكتراث بالدماء التي تسيل، أو الناس تعبت"، جميعها عناوين لمشهدٍ لم يعد يألفه السوريون منذ قرابة الثلاثة أعوام، وهو استمرار عمل البارات و"الديسكوتات"، في قلب سوريا التي أنهكتها الآلة العسكرية وتعبت من الموت والقتل الذي يمارس ضد الشعب المنتفض.

في قلب دمشق "الشعلان باب توما المزرعة.... إلخ"، العمل جارٍ على قدمٍ وساق في غالبية البارات والديسكوتات، مع ارتفاع في أسعار الدخول نتيجة ارتفاع أسعار المشروبات، فالديسكو الذي كان يأخذ 500 ليرة على الشخص لقاء مشروبين، بات اليوم يأخذ 1000 ليرة، وفي بعض الديسكوتات والبارات الأسعار تفوق ذلك، حيث تصل إلى 2000 ليرة، إلى جانب استمرار عملها في الفنادق ذات التصنيف السياحي.

بعض "الديسكوتات" أغلقت ليس بسبب توقف عملها، إنما بسبب سفر أصحابها، فمنذ أن بدأت الثورة في البلاد خشي كثيرون من أصحاب الأموال ونقلوا أعمالهم خارج البلاد، كحال "زودياك" وهو من أشهر الديسكوتات في دمشق، لكن البقية ما زال يعمل طوال الليل، دون أي تغييرٍ حتى في مواعيد الإغلاق. 

رواد هذه الأماكن ينتمون إلى شريحةٍ معينة، وغالبيتهم تتراوح أعمارهم ما بين 15 سنة إلى 30 سنة تقريباً، يمتلكون مبرراتٍ عديدة لاستمرار ترددهم إلى البارات والديسكوتات رغم كل ما يجري في البلاد، يقول "كنان 25 عاما": في أي لحظة يمكن أن أموت إما بقذيفة أو رصاصة طائشة، وأنا أريد العيش لآخر لحظةٍ في حياتي بسعادة".
البعض يتهم رواد تلك الأماكن بأنهم غير مكترثين بما يحدث في البلاد، ولا يهتمون بأخوتهم من أبناء سوريا الذين يذبحون يومياً، لكن لينا توضح: "لا يعني أنني أرتاد أماكن الرقص أنني غير مكترثة أو غير مهتمة بما يحدث، لكن ما باليد أي حيلة، ولا أستطيع أن أغير شيء، وأريد الخروج لأنفس عما يدور في داخلي بعض الشيء". 

ورغم وجود الفئة التي استسلمت وتريد العيش وكأن شيئاً لا يحدث، هناك من هو مقتنع حقاً برواية النظام والتي تقول إن الأمر لا يتعدى مجموعات مسلحة والجيش ينتصر عليها، والمؤامرة الكونية سنخرج منها منتصرين"، هذا ما يعتبره كثيرون من رواد أحد البارات حسب ما تخبرنا لينا، رغم اختلاف قناعتها مع هؤلاء، لكن هناك نسبة لا بأس بها تعتبر أن الأمر لا يعنيها.

وتعتقد حنان "29 سنة" أنه علينا أن نثبت أننا نحب الحياة ولا نريد الموت، "وهذا ما يدفعنا للتمسك بالحياة لآخر لحظةٍ من حياتنا، لم نعد نعيش كما كنا سابقاً في ظل الموت الذي نراه يومياً، لكننا نحاول أن نقول بأننا نريد الحياة لا الموت".

ولأن رواد الديسكوتات في أحيانٍ كثيرة هم من الفئات العمرية الصغيرة، أو من هم في طور المراهقة، رغم مخالفة ذلك للقانون، إلا أن بعض هؤلاء حتى الآن لا يعي حجم المأساة التي تمر بها البلاد، وغالبيتهم يسهرون في الديسكوتات دون علم الأهل.

المختصون النفسيون يعتبرون أن هناك رد فعل طبيعي من الناس وربما تتجه إلى اللامبالاة، بعد حجم الألم الذي لحق بالسوريين خلال الأعوام القليلة الماضية، كما يقول طبيب نفسي فضل عدم ذكر اسمه حيث يشير إلى أن هناك مبررات عديدة يمكن ملاحظتها، يمكن أن يصل بعضها إلى اللامبالاة حقاً، فهناك من لا يستطيع أن يأكل أو يشرب وهو يرى الناس التي تقتل بدماءٍ باردة، والمفارقة أن هناك من يعيش حياته وكأن شيئاً لم يكن، كما نشاهد بعض الناس من أبناء شرائح معينة لا تغير عاداتها في التسوق، أو في الرحلات السياحية خارج البلاد، هناك شريحة منفصلة عن الواقع وعلينا الاعتراف بها، لكن هناك شريحة أخرى تعبت وأصابها الإحباط، وعادت لتعيش حياتها بشكلٍ طبيعي كشكلٍ من أشكال التنفيش، وعلينا التنويه ليس فقط أبناء الموالاة هم من يرتادون تلك الأماكن، هناك من لديهم موقف معارض من النظام، يذهبون لهذه البارات كنوع من تفريغ الشحنات السلبية.

ترك تعليق

التعليق