موازنة الأسد الخلّبيّة...فضائحٌ بالأرقام، وابتزازٌ لـ"المناطق الثائرة"

موازنة العام المقبل أقل بـ 5.5 مليار دولار مقارنة بالعام الجاري
40% تراجع في الإنفاق للعام 2014 مقارنة بالعام الجاري
30 بالألف...مخصصات إعادة الإعمار للعام القادم مقارنة بالتكلفة المرتقبة 
56% نسبة العجز في موازنة العام الجاري
40% نسبة الهدر، و30% نزيف الفساد...من إجمالي الناتج المحلي
1.2 تريليون ليرة...تكلفة التهرب الضريبي والجمركي والاقتصاد غير المنظم

وافقت حكومة النظام منذ أيام على مشروع موازنة العام 2014، والمُقدّرة بـ 1.39 تريليون ليرة سورية، بزيادة تُقدّر بسبعة مليارات ليرة على موازنة العام الجاري 2013 التي بلغت 1.32 تريليون ليرة سورية، حسب وكالة أنباء النظام "سانا".

بطبيعة الحال، وكعادة إعلام النظام الذي يعتمد استراتيجية "الاستغباء" حيال المواطن السوري، تحدثت وكالة "سانا" عن زيادة في إنفاق موازنة العام 2014، لتُعدّ الأعلى في تاريخ سوريا، مقارنة بموازنة العام الجاري.

موازنة العام المقبل أقل بـ 5.5 مليار دولار مقارنة بالعام الجاري
لكن إن حاولنا التدقيق في القيمة الحقيقية لموازنة العام 2014 حسب الأسعار الجارية للدولار، 170 ليرة للدولار الواحد، نكتشف أن القيمة الحقيقية للموازنة المقترحة العام المقبل، تُقدّر بحوالي 8.18 مليار دولار تقريباً.

وإذا حاولنا التدقيق في القيمة الحقيقية لموازنة العام 2013، حسب الأسعار الجارية للدولار في نهاية العام الفائت، حوالي 96 ليرة للدولار الواحد، نكتشف أن القيمة الحقيقية لموازنة العام الجاري تُقدّر بحوالي 13.750 مليار دولار تقريباً.

أي أن القيمة الحقيقية لموازنة العام 2014 أقل من نظيرتها للعام 2013 بحوالي 5.57 مليار دولار.

ما سبق يعني أن القيمة الحقيقية لموازنة العام المقبل أقل من موازنة العام الجاري بما يفوق 40%، وذلك بطبيعة الحال، نتيجة التضخم في الأسعار، وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، بعد ارتفاعات الدولار الكبيرة خلال العام الجاري، والتي وصلت إلى ما يقارب 100% زيادة عن قيمة الدولار نهاية العام 2012، وذلك حسب الأسعار الجارية للدولار حالياً.

رُعب حول الاحتياطي من القطع الأجنبي
حظيت، كعادتها، صحيفة "الوطن" السورية شبه الرسمية، المملوكة لـ"رامي مخلوف"، بتصريحات خاصة من جانب مسؤولين داخل حكومة النظام، حول تفاصيل التوصيات والتوجيهات التي صدرت عن رئاسة حكومة النظام، بخصوص كيفية الإنفاق خلال العام القادم.
وكان من أبرز النقاط التي تضمنتها تلك التوجيهات، الحرص على الاحتياطي الاستراتيجي من القطع الأجنبي لدى مصرف سوريا المركزي، وتخطيط المشاريع والإنفاق بما يتوافق مع العناية قدر المستطاع بهذا الاحتياطي.
وكانت بيانات قد أصدرها المصرف المركزي السوري أظهرت أن الاحتياطي الأجنبي تراجع بأكثر من الثلث في الأشهر العشرة الأولى عقب اندلاع الاحتجاجات في آذار العام 2011، حسب وكالة رويترز للأنباء.

وكان الاحتياطي الاستراتيجي من القطع الأجنبي لدى المركزي قبيل الأزمة يُقدّر بأكثر من 18 مليار دولار، مما يعني أن حكومة النظام خسرت في الأشهر العشرة الأولى من الثورة فقط، أكثر من 6 مليارات دولار، غير أن النظام تلقى دعماً مالياً كبيراً من طهران، بما في ذلك تسهيلات ائتمانية بمليارات الدولارات، لشراء منتجات نفطية والمساعدة على تعزيز وضعه المالي.

ملامح أزمة النظام المالية
ومن النقاط اللافتة التي أشارت إليها "الوطن"، والتي تُشير إلى أزمة النظام المالية، أن رئاسة الحكومة أوصت بعدم المباشرة بتنفيذ أي مشاريع جديدة أو أعمال مادية جديدة في عام 2014، باستثناء المشاريع التي تخدم تطوير سلة الإنتاج السلعي من المواد الأساسية، إضافة إلى التركيز في التنفيذ على المشاريع المنجزة بنسبة فوق 60%، مع ضرورة تحديد أولويات لتنفيذ هذه المشاريع حسب أهميتها وضرورتها والمردود الاقتصادي المتوقع منها.

ومن ملامح أزمة النظام المالية أيضاً، أن حكومة النظام أوصت بإيقاف جميع المشاريع والعقود والأعمال الخاصة بتنفيذ أو ترميم الأرصفة أو ترميم الطرقات أو أعمال الكهرباء والتزيين الواردة في الموازنة الاستثمارية لعام 2014، ما لم تكن هذه الأعمال تندرج ضمن إعادة إعمار ما تضرر.

وأكدت التوصيات على عدم إدراج أي مشاريع جديدة تتعلق بتنفيذ مبانٍ حكومية إدارية في عام 2014 بما فيها الدراسة أو حتى البرنامج الوظيفي أو شراء أرض، إلا للحالات الاستثنائية.

معاقبة "المناطق الثائرة"...وابتزازها
وفي جملة توصيات حكومة النظام، يبدو أن معاقبة المناطق الثائرة عليه من ضمن الأولويات، إذ أوصت حكومة النظام بعدم تنفيذ مشاريع أو أعمال إعادة إعمار أو تأهيل بنى تحتية في المناطق الساخنة، وتهديد المحافظين بأنهم سيتحملون المسؤولية في حال مخالفة التوجيهات، على أن يُقتصر في تنفيذ هذه الأعمال على المناطق التي يعلنها جيش النظام مناطق آمنة.

مما يعني أن المناطق الثائرة على النظام لن تحظى بأي مظهر من مظاهر الرعاية الحكومية، باستثناء تلك التي تخضع للنظام، في شكل من أشكال، المعاقبة، والرشوة، والابتزاز، في آنٍ معاً.

ماذا عن بند "الإنفاق العسكري"؟
بعيداً عن مضامين التصريحات الرسمية لمسؤولي النظام، التي تنشرها صحيفة "الوطن"، يمكن طرح جملة أسئلة جدية حول أرقام الموازنة المُقترحة للعام القادم، من أبرزها تلك التي تناولها بالتفصيل تقرير نشره موقع "المدن" الإلكتروني، تحت عنوان "موازنة 2014: نهب السوريين".

فرئيس حكومة النظام أكّد أن الإنفاق في موازنة العام القادم ستتركز على الصحة والتعليم والزراعة، لكنه لم يُفصح عن حجم الإنفاق العسكري، وعلى كم يستحوذ من الموازنة؟. مع العلم أن سوريا تحتل المرتبة الأولى عربياً في معدل الإنفاق العسكري مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن سريّة بند الإنفاق العسكري في الموازنة، التي لم يتم الحديث عن تفاصيل أبوابها وبنودها، واكتفى مسؤولو النظام بالحديث العام، والشعارات الرنانة، والرسائل المبطّنة، من قبيل عدم الإنفاق على "المناطق الثائرة".

"نكتة"...بند إعادة الإعمار في موازنة العام المقبل
وقد يكون من المثير للسخرية، حديث مسؤولي النظام عن تخصيص 50 مليار ليرة سورية لإعادة الإعمار في موازنة العام القادم، أي 295 مليون دولار تقريباً، مع الإشارة إلى أن التقديرات الأولية لتكلفة إعادة إعمار سوريا تذهب إلى أكثر من 200 مليار دولار، بينما تذهب تقديرات بعض مسؤولي النظام إلى 100 مليار دولار كتكلفة لإعادة إعمار سوريا، فإذا اعتمدنا على أرقام مسؤولي النظام، يعني أن النظام خصّص لإعادة الإعمار فقط 0.30% من تكلفته بعيدة المدى.

من أين سيأتي الأسد بالمال؟
في مقابل ما سبق، طرحت العديد من التقارير التحليلية تساؤلاً حول مصدر تمويل موازنة العام القادم....من أين سيأتي نظام الأسد بالمال؟

يجيب تقرير "المدن" أن حكومة النظام ستنهب السوريين بالدرجة الأولى، لتأمين موازنة العام القادم، فهي ستعتمد على زيادة الضرائب والرسوم وأسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة.
ويتوقع مراقبون أن يستمر صانعو القرار الاقتصادي والمالي في نظام الأسد باستراتيجية الرفع التدريجي وغير المُعلن للدعم عن المواد الغذائية الأساسية، والمحروقات، ناهيك عن رفع أسعار الكهرباء والاتصالات، ذلك أن رفع سعر ليتر البنزين أخيراً بنسبة 20% وفّر لخزينة الدولة عوائد قُدّرت بحوالي 8 مليارات ليرة سورية، ليُضعف، بالمقابل، القدرة الشرائية للأسر السورية بمقدار 3%.

كما أدى قرار رفع أسعار السكر والرز المقدم في الجمعيات الاستهلاكية بمقدار 10 ليرات، إلى وفرٍ في خزينة الدولة بمقدار 4 مليارات ليرة سورية.

قصّة الموازنة الخُلبيّة
لكن إذا علمنا أن حكومة النظام أقرّت بعجز يُقدّر بحوالي 745 مليار ليرة كحد أدنى في موازنة العام الجاري، المقدرة بحوالي 1.32 تريليون ليرة، أي حوالي 56% نسبة عجز، لعلمنا أن كل تصريحات مسؤولي النظام، "كلام بكلام"، فإذا عجزوا عن تأمين 56% من قيمة موازنة العام الجاري، فعن أي زيادة يتحدثون في موازنة العام القادم؟!

معادلة الاقتصاد السوري في عهد "الأسدين"
في الختام، يبدو أن مسؤولي نظام الأسد ما يزالون على خط استراتيجيتهم التاريخي ذاته، منذ عهد الأسد الأب، حيث تحكم الاقتصاد، معادلة طرفها الأول، شعارات وأرقام غير دقيقة وإنجازات وهمية، يُقابلها هدر وفساد وتهرب ضريبي وجمركي واقتصاد غير منظم، في الطرف الثاني.

فمعدلات الهدر في سوريا تبلغ 40% من الناتج المحلي الإجمالي وهو من أعلى المعدلات في العالم، والفساد يستنزف وسطياً 30% من الناتج أيضاً. في حين يُقدّر حجم التهرب الضريبي والجمركي والاقتصاد غير المنظم بحوالي 1200 مليار ليرة.

حقائق وأرقام يُفضّل نظام الأسد عدم مواجهتها، ويبقى المرجح أن يتم تمويل موازنة العام القادم، من "جيبة" المواطن السوري، بغية تمويل آلة الحرب الأسدية، لقتله وتدمير بيته، لاحقاً، بماله.

ترك تعليق

التعليق