أسهم الزواج بسوريات في مصر ما تزال مرتفعة .."اقتصاد" ترصد قصصاً وآراء

يشاع بين شرائح واسعة من المجتمع المصري بأن السوريين يُزوجون بناتهم بتكاليف بخسة للغاية.

السمعة التي تشاع عن السوريات لا يوجد حالات تؤكدها.

"فرض علينا العريس المصري عاداتهم، بأن على الفتاة أن تُشارك بتجهيز المنزل مع العريس...".

تحظى السوريات في مصر بميزتين لم تكونا سائدتين في المجتمع السوري.

"خالتاي متزوجتان من سوريين، وكذلك شقيقي، وهم سعداء للغاية".
بهذ العبارات أخبرنا عمرو، وهو مصريّ يعمل في مجال السياحة، عن حلمه بالزواج من سوريّة، وتابع: "بصراحة لم أكن أظن أنني قادرٌ يوماً على تحقيق هذا الحلم، ولكن بعد لجوء عشرات آلاف السوريين إلى مصر، وتردي الأوضاع المعيشية لبعضهم، أصبح الزواج من السوريات أمرٌ متاحٌ بتكاليف مقبولة وممكنة بالنسبة لشخص مثلي".

الحالة السابقة تُوجز النظرة لقضية الزواج من السوريات من منظار الشباب المصريّ، فهو حلمٌ بات ممكن التحقيق.

يقول الحاج إبراهيم، وهو مصريّ يدير دُكانة في حي شعبي: "الطلبات التي كان من الممكن للعائلات السورية أن تطلبها من رجلٍ مصريّ يتقدم لخطبة ابنتهم حينما كانوا مستقرين في بلدهم، تفوق قدرات معظم الشباب المصري الذي يعزف عن الزواج بمصريات بسبب كثرة الطلبات".

ويستطرد الحاج الذي تعمل زوجته كواسطة بين عائلات سوريات وبين شباب مصريّ باحثٍ عن الزواج من سوريات: "اليوم اختلف الوضع، والسوريون المقيمون في مصر، في جزء كبيرٍ منهم، يتساهل في طلباته، وإن كان ذلك أمراً لا يمكن تعميمه، لكنه تكرر مراراً".

يشيع بين شرائح واسعة من المجتمع المصري بأن السوريين يُزوجون بناتهم بتكاليف بخسة للغاية، حتى أن الكثير من المصريين يخبرونك إنهم سمعوا بأنك تستطيع الزواج من فتاة سوريّة بـ 500 جنيه مصري فقط، (70 دولارا)، لكننا لم نقابل أية حالة واقعية حصلت بالفعل، تُثبت ذلك.

الحج إبراهيم نفى لنا بدوره صحة هذه المقولة: "السوريون يزوجون بتكاليف مقبولة مقارنةً بما كانوا يشترطونه لبناتهم في سوريا، لكن قصة الـ 500 جنيه هذه إشاعة أو حالات محدودة تم تعميمها بصورة خاطئة، كعادة المجتمع المصري الذي يميل إلى التعميم بسرعة ودون تدبّر".

سهام، وهي سوريّة مُقيمة في الغردقة المصرية، وتعمل في روضة للأطفال، قالت لنا مستنكرةً:" المصريات مستاءات للغاية، فالكثير من أزواجهن يهددوهن بأنهم قادرون على الزواج عليهن من فتاة سوريّة بـ 500 جنيه مصري فقط، وهن يلُمنَنا على ذلك، لكنني لم أرَ أية عائلة سورية أو شاب مصري أكد حالات زواج بهكذا مهورٍ بخسةٍ، كل من يقول لك من المصريين ذلك، تسأله، هل رأيت بعينك حالات مشابهة، فيؤكد أنه سمع فقط، لكن لم يرَ".

ما سبق واقعٌ رصدناه بالفعل، فالسمعة التي تشاع على السوريات لا يوجد حالات تؤكدها، فبعد الكثير من البحث والاتصالات والأسئلة، لم نقع على حالة واحدة لزيجة بمهور بخسة كالتي تُذكر، لكن ذلك لا يُلغي حقيقة أن العائلات السورية تخلت عن الكثير من المطالب المُعتادة التي تُقدم للعريس في سوريا، مُراعاةً للأوضاع المعيشية الجديدة، التي فرضت على شريحة واسعة من السوريين ضرورات التكيّف معها.

نجلاء، سوريّةٌ تعمل هي الأخرى في روضة للأطفال، أخبرتنا بأنه عُرض عليها الزواج مراراً من مصريين، ولها شقيقة خُطبت بالفعل، وأقرّت نجلاء بأنهم تساهلوا بالطلبات مقارنةً بما كان شائعاً في سوريا قبل لجوئهم: "فرض علينا العريس المصري عاداتهم، والتي تُفيد بأن على الفتاة أن تُشارك بتجهيز المنزل مع العريس، وبالتالي لا يُدفع لها مهرٌ إلا إذا كانت مستعدة للمشاركة في شراء أثاث المنزل، خاصة أغراض المطبخ التي عادةً ما تشكّل الكهربائيات الثقل المالي الرئيسي فيها، وهي عادة لم تكن معروفة في المجتمع السوري، وكانت السوريات يدخلن منازل أزواجهن بمُهورهن كاملة دون أن يصرفن منها مَليماً، إلا في سياق شراء مستلزمات العروس من ملابس".

وضعية أخرى أثّرت على السقف السائد لتكاليف الزواج من سوريات في مصر، تلك المُتعلقة بالأرامل أو المطلقات، خاصةً إن كنّ يصطحبن معهن أولادهن، مما يدفعهن للتساهل في قضايا المهر والذهب والعفش والبيت، وسواه.

لكن في المقابل، تحظى السوريات في مصر بميزتين لم تكونا سائدتين في المجتمع السوري: الأولى أن المصريّ يتقبّل الزواج من مُطلّقة ولديها أولاد، حتى لو كان عازبا، شريطة ألا يدفع لها مهراً، الثانية: أن المصريّ، في معظم الحالات، يتقبّل الزواج من سيدة تُقاربه في العمر أو حتى تكبره ببضع سنوات.

نجيب، أب لفتاتين سوريتين، وهو قادرٌ على تغطية تكاليف معيشة عائلته بشكلٍ مقبولٍ، لذلك يصرّ نجيب على أن قبول الزواج من مصريين في ظروفنا الراهنة، خطأ كارثي، لأن الزواج غير متكافئ، ويقوم على نظرة فوقية، نسبياً، من جانب المصريين، حسبما يعتقد نجيب، الذي يضيف: "هم ينظرون إلينا كلاجئين، ومشردين، وظروفنا المعيشية سيئة، لذلك يرونها فرصة يجب اقتناصها، وذلك في رأيي ابتزاز واستغلال، والزيجات المبنية على هكذا رؤية لا تتمتع بالمقومات السليمة".

ربما نجيب يملك رفاهية رفض تزويج ابنتيه إلا لسوريين، أو لمصريين بشروطٍ مُكلفة، كي يقدّروا قيمتهن، كما قال لنا، لكن سوريين كُثر لا يتمتعون بتلك الرفاهية التي يحظى بها نجيب، ومنهم أبو خالد، الذي أخبرنا أن ظروفه المعيشية مُتعبة جداً، والعمل في مصر لا طموح فيه، والنجاح في هذه الظروف السياسية والأمنية المُضطربة التي تعصف بالبلد نادرٌ للغاية، لذا يعتقد أن التأفف والتعالي على شبان مصريين محترمين، لكنهم بظروف معيشية متوسطة، ستنعكس لاحقاً على بناته، اللواتي سيدخلن سنّ العنوسة، في ظروف لا يجد فيها الشباب السوريّ والمصريّ على حدّ سواء، الظروف التي تتيح لهم القدرة على تلبية متطلبات الزواج المبالغ بها أحياناً.

ويبقى أن لكلٍ ظروفه ورأيه، لكن تجربتنا الاستقصائية في هذا المجال أفضت بنا إلى نتيجة مفادها أن أسهم الزيجات من السورريات بمصر ما تزال مرتفعة، كما كانت دوماً، حسبما أخبرنا مصريون قالوا لنا إن شباب نخبة المجتمع المصري كانوا يُفاخرون بالزواج من سُوريّات، لكن الظروف الراهنة أحاطت تلك الأسهم بمنغصات كثيرة، منها شعور المصريين بأنهم في موقعٍ أفضل من معظم السوريين، واستغلال الظروف الصعبة للكثير من العائلات السورية، لإقناعها بتزويج بناتهن بمهورٍ محدودة، لكنها دون شك لا تهبط إلى الحد الشائع بصورة مغلوطة بين المصريين، (500 جنيه مصري)، وهو حدّ اتضح لنا بأنه وهمي، إذ إنه على ما يبدو كانت نتيجة التعميم بناء على حالات محدودة للغاية، لم نستطع أن نجد مثالاً واحداً عليها رغم كثرة البحث.

ترك تعليق

التعليق