من المسؤول عن ضحايا الأخطاء الطبية في سوريا!

* مادة حفظ الجثث اُستخدمت بدل المخدر .
* دخل لاستئصال الزائدة الدودية فأخاطوا له أمعاءه.
* وصال طفلة فقدت يدها بسبب مادة دوائية اُعطيت بالخطأ !
* 90 % من الوفيات في المشافي العامة والخاصة ناتج عن أخطاء في التشخيص والعلاج وسوء الرعاية !

الخطأ الطبي تعبير أدبي لطيف يخفي وراءه أحياناً الكثير من التجاوزات التي تُرتكب في حق الطب بسبب الإهمال واللامبالاة والاستهتار بقوانين أقدس مهنة.

والغريب أن هذه الظاهرة قد استفحلت في المستشفيات العامة والخاصة تحت أنظار وزارة الصحة السورية التي كانت تعترف بوجود هذه التجاوزات ولكنها لم تكن تحرك ساكناً بدليل أن الكثير من ضحايا الأخطاء الطبية لم يحصلوا على تعويضات، فيما نجا من ارتكب هذه الأطباء من أطباء أو ممرضين بفعلتهم دون حسيب أو رقيب كما سنرى في القصص التي التقينا أصحابها.

وفي تقرير صدر وزارة الصحة في سوريا صدر قبل الثورة بسنوات قليلة اعترفت الوزارة بوجود حالة وفاة واحدة على الأقل يومياً في إحدى المستشفيات الخاصة أو العامة في سوريا نتيجة الإهمال أو ضعف الخبرة أو نتيجة الخطأ في التعامل مع التجهيزات الطبية، وأضاف التقرير المذكور أن 90% من الوفيات ناتج عن أخطاء في التشخيص والعلاج وسوء الرعاية، وكان عدد كبير من المراقبين الاجتماعيين والحقوقيين قد أكدوا بأن معدل الأخطاء الطبية في سوريا يفوق بعدة أضعاف نظيره في الدول الغربية، ورغم ذلك كان من النادر أن نسمع عن طبيب سوري وقف أمام القضاء بسبب خطأ طبي، في حين من المعتاد أن يقف الطبيب في الدول الغربية مرات عدة أمام القضاء بسبب الأخطاء الطبية مما يسهم في الحدّ من هذه الأخطاء، ويرى المحامي عبد المنعم رضوان أن "السبب الرئيس في تمادي الأطباء السوريين في أخطائهم هو ذاك البند المعروف بـ "خطأ الرجل العادي" في قانون العقوبات السوري، ففي حين يعتبر القانون السوري الطبيب مرتكباً لجرم القتل أو الإيذاء عن غير قصد عند مخالفته إجراءات العلاج لمجرد مخالفته واجبات المهنة حتى وإن لم يخالف القواعد الفنية، فإن القانون ذاته يتضمن بنداً بعنوان "خطأ الرجل العادي" والذي تستطيع نقابة الأطباء إدراج أية حالة تحته، وهو ما يحصل عادةً بسبب محاباة الأطباء بعضهم لبعض ومنع أي خطأ طبي يقع فيه طبيب ما من الوصول إلى القضاء لذا أرى ضرورة تقييد البند المذكور أو تعديله.

"الفورمالين" بدل المخدر !
منار سحلول مهندس كمبيوتر شاب، ساقه حظه التعيس إلى أن يكون أحد ضحايا الخطأ الطبي دخل إلى أحد المشافي العامة لاستئصال فتق بسيط في ساعده الأيسر، فخرج بيد معطلة عن الحركة مدى الحياة نتيجة إعطائه عن طريق الخطأ، مادة مخرشة هي (الفورمالين) التي تُستخدم لحفظ الجثث والخزعات بدلاً من السيروم الفيزيائي الذي يستخدم عادة كمخدر في مثل هذه العمليات.

"اقتصاد" التقى "منار سحلول" الذي قال لنا دخلت إلى المشفى ( ... ) العام لإجراء عمل جراحي بغية استئصال كمية شحمية مفصلية وأدخلت إلى غرفة العمليات فقرر الطبيب ( ب- د – س ) إجراء العمل الجراحي بوساطة تخدير موضعي قام هو بالتخدير على الرغم من أنه طبيب عظمية وليس مختصاً بالتخدير، وكانت تعاونه في غرفة العمليات الممرضة (هـ . ع) ومساعد التخدير (ن. ش) وقد طلب الطبيب المذكور من الممرضة إحضار زجاجة مخدر موضعي (أكزيلو كائين) لحقن 10 سم3 في يدي وبعد بدء الحقن شعرت بألم شديد وبدأت أصرخ صراخاً جنونياً، وطلبت من الطبيب الكف عن الحقن، لكنه استمر في ذلك إلى أن أفرغ كامل محتويات المحقنة في يدي وعندما اشتد صراخي انتبه الطبيب إلى وقوع شيء غير عادي. وعندما رفع الزجاجة وتأكد من محتواها ارتسمت على وجهه علامات الفزع وضرب يديه على جبينه صارخاً في وجه الممرضة (لقد دمرت حياتي) فقد اكتشف أن ما حقنه ليس مخدراً (المخدر الموضعي ليدوكائين) بل "الفورمولين" وهي مادة مخرشة يشبه تأثيرها تأثير الأسيد في جسم الإنسان.

ويضيف سحلول: بعد ذلك مباشرة قرر الطبيب فتح الوريد لإخراج المادة المحقونة، غير أنه لم يستطع فعل شيء من شدة ارتباكه واضطرابه فقامت الممرضة بذلك ولكن هذا الإجراء لم يكن فعلاً مجدياً بما فيه الكفاية، على الرغم من أن طبيبة اختصاصية بالأوعية الدموية أفادت بأن تشطيب اليد في الدقائق الأولى كان من الممكن أن يخفف كثيراً من الضرر والعطل الذي حصل.

وانتهت مغامرة سحلول مع آلامه بعدما استشهد على يد الشبيحة حين ذهب ليتقاضى راتبه في مدينة طرطوس منذ شهرين.

جسد أنهكته التجارب !
"حاكم العساف" شاب آخر في منتصف العقد الثالث من عمره دخل إلى أحد المشافي العامة لاستئصال الزائدة الدودية ولكنه خرج بجسد أنهكته التجارب.

يقول: بتاريخ 6/ 12 / 2008 دخلت إلى المشفى الوطني بحمص بعد معاناتي من الزائدة الدودية وتم تخديري وإجراء العمل الجراحي المعتاد وبعد أن أفقت وعدت إلى المنزل بدأت أشعر بآلام شديدة أسفل البطن فذهبت إلى طبيب خاص وبعد تصويري بالإيكو والكشف الطبي اتضح أن أمعائي قد خيطت بعضها ببعض ووجد كيس مائي في أسفل البطن مليء بالسوائل التي كنت أتناولها ولم تكن تأخذ مجراها في الأمعاء ولو إرادة الله لمت في حينها كما ذكر لي الطبيب الذي كشف عن حالتي وقد تحسنت حالتي الآن والحمد لله ولكنني صرت أعد للعشرة قبل أن يكشف علي طبيب أو يجري لي أي عمل جراحي مهما كان صغيراً.

بتروا يدها بسبب خطأ طبي !
أما الطفلة وصال خضر التي لم تكمل الربيع الثامن من عمرها فقد أُدخلت إلى مشفى تشرين بدمشق لإجراء عملية "قيلة سحائية" ونجحت العملية ولكن بعد يومين من إجراء العملية تحول لون يدها إلى الأسود و بعد معاينتها ثانية وإجراء التحاليل اللازمة لها اكتُشف أنها أعطيت مادة دوائية سامة في الشريان العضدي الأيمن ولم ينفع التدخل العلاجي لها فاضطر الأطباء إلى بتر يدها من منتصف العضد الأيمن.

يقول والد وصال: كانت عملية وصال بسيطة وظلت طفلتي تأخذ الدواء الموصوف لمدة يومين ويوم الخميس / 6/ 3 / 2009 جاءت الممرضة لتعطيها إبرة في الوريد وما إن خرجت الممرضة من الغرفة حتى بدأت ابنتي وصال تصرخ وتئن من الألم ولاحظت أن لون يدها اليمنى بدأ يتحول إلى السواد وبعد استغاثتي جاء طبيب وممرضة ووضعوا على يدها الكحول ثم أعطوها إبرة تحسس ولكنها لم تتحسن وظلت تتألم، ويضيف والد الطفلة المفجوع: تم وضع طفلتي تحت المراقبة السريرية لمدة يومين لمعرفة إلى أين سيصل السواد ومن أين سيبترون يدها فقد اكتشفوا بعد فوات الأوان أن الطفلة قد تعرضت لنقص تروية حاد للطرف العلوي بسبب حقن مادة دوائية في الشريان العضدي الأيمن فتقرر بتر يدها ومن المفارقة كما يقول والد الطفلة وصال أنه مطالب بدفع مبلغ 7500 ليرة سورية لقاء تكاليف عملية البتر بالإضافة إلى مبلغ 22 الفاً أجرة عملية القيلة السحائية.

لكل مهنة أخطاؤها !
تنقسم الأخطاء الطبية كما يرى الدكتور عبد المؤمن القشلق أخصائي الأمراض الباطنية إلى عدة أنواع الأولى منها تخص الطبيب المعالج حيث يتم ارتكاب الأخطاء الطبية نتيجة الجهل بالحالة الطبية التي يعالجها، وهنا يرتبط الموضوع بالتعدي على اختصاصات أخرى فنحن نرى أن بعض الأطباء يصفون أدوية لحالات لا تتعلق باختصاصهم، فنرى أن طبيب التوليد يعالج الأمراض الباطنية وكذلك طبيب الجراحة أو يقوم طبيب الجراحة بعلاج حالات جراحية لا ترتبط باختصاصه أو يقوم طبيب جراحة عامة بمعالجة حالات بولية تخصصية جراحياً وهنا تقع الأخطاء نتيجة الجهل بمثل هذه الحالات وأساليب علاجها من أشخاص يُفترض أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية والضمير المهني، وهناك الشطر الذي يتعلق بالجشع حيث من الممكن تنفيذ استقصاءات غير مطلوبة أو أعمال جراحية غير ضرورية للمريض، وثمة شطر متعلق بالمواطن وذويه وهذا الشطر مهم جداً -كما يقول د . القشلق- فالكرة دائماً في ملعب المريض أو ذويه، ويتعلق الأمر بعدم وجود ثقافة صحية كافية مما يؤدي إلى أن يراجع المريض أو ذووه أطباء من اختصاصات غير مناسبة أو أن يوافقوا "بشكل اعتباطي" على إجراء أعمال جراحية غير ضرورية ويمكن من خلال القليل من الوعي عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء ويذهب د. القشلق إلى القول إن هناك مقياساً عالمياً يُسمح فيه بنسبة معينة من الأخطاء الطبية، وكما للطبيب المعالج برأيي حقوق لديه واجبات فهناك الكثير من الأعمال الطبية التي تحمل نسبة خطورة حتى الحقنة العضلية أو الوريدية قد تسبب صدمة "تأقية" وموت مفاجئ ولهذا فهناك مقولة "من يعمل قد يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ أبداً" فما بالك بالعمليات الجراحية الخطيرة التي تنطوي على خطورة قد تصل إلى 90% أحياناً.

ويؤكد د عبد المؤمن القشلق على عدم الإفراط في موضوع ملاحقة الأطباء بحجة الأخطاء الطبية التي قد يستغلها البعض للابتزاز المادي والبعض الآخر يجعل منها مهنة –للأسف - وهذا قد يؤدي إلى عدم قبول الكثير من الأطباء القيام بأية أعمال جراحية فيها خطورة ولهذا السبب يصبح التأمين على الأطباء من الأخطاء الطبية ضرورة حيث تقوم شركات التأمين بالتحقيق والتعويض أوعدم التعويض وفي نهاية الأمر وبالرغم من وجود الضوابط القانونية يبقى الضمير المهني والأخلاقي هو الرادع الوحيد. ويرى الدكتور "يحيى الغنطاوي" أخصائي داخلية أن لكل مهنة أخطاءها، فالأطباء بشر مثلهم مثل غيرهم وليسوا معصومين عن الخطأ ولكن العلة تكمن في نظرة الناس إلى الأطباء كانعكاس لصورة الآلهة التي لا يُتوقع الخطأ منها فأي خطأ يرتكبه الطبيب يُعد مستهجناً، بل ويتضاعف في عيون الناس.

ومن جانبه يؤكد الدكتور أمين الصباغ أخصائي الأمراض الهضمية والقلبية أن الخطأ الطبي يمثل انحرافاً للطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف وما يقتضيه من يقظة وتبصر إلى درجة يهمل فيها الاهتمام بمريضه، ومن الضروري برأيه الاعتراف بوجود مشكلة في الأخطاء الطبية ومعالجتها بشكل واقعي وموضوعي والإبلاغ عن حالاتها بدلاً من التستر عليها، ويرى د. الصباغ ضرورة وجود مركز لتسجيل الأخطاء الطبية ومعرفتها ومعالجتها.

ترك تعليق

التعليق