أين فشلت الثورة في بناء اقتصاد يجنّبها التبعية الخارجية والهدن الداخلية؟

ركزت العديد من الدراسات الاقتصادية -خلال الأعوام الثلاثة الماضية- على ما سيؤول إليه الاقتصاد السوري بعد سقوط النظام، لكن أياً منها، بحسب مراقبين، لم يحاول النظر إلى الوضع الراهن بعين التدقيق والتمحيص للخروج بحلولٍ واقعية، وهو ما أدى فعلياً إلى موت مئات الأشخاص جوعاً في العديد من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والواقعة تحت حصاره.

المرحلة الفاصلة بين مرحلة حكم الأسدين وكل التشوهات الاقتصادية التي رافقتها، ومرحلة السقوط، أو مرحلة مخاض نظامٍ جديد، إن صح التعبير، لم تلقَ اهتماماً كبيراً من الباحثين، سوى على صعيد اقتصاد النظام، ولعل السبب الرئيسي في تأخر المعارضة وباحثيها عن وضع خطط تكتيكية أو استراتيجية لاقتصاد سوريا خلال الثورة هو التسليم لفكرة أن سقوط النظام لن يمتد لسنوات.

وفي ظل غياب التكتيك الاقتصادي لزمن الحرب والثورة، استطاع الثوار السيطرة على مناطق تعتبر قوة اقتصادية قائمة بحد ذاتها، لكنها بقيت ثروات مهدورة لم تتمكن الثورة من الاستفادة منها، بسبب تشتت قوى المعارضة والثورة على الأرض من جهة، ومن جهةٍ ثانية الحرب المستعرة التي يشنها النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته.

إحدى هذه المناطق هي الغوطة الشرقية التي تمتلك إنتاجاً زراعياً كبيراً، لكن أبناءها يتضورون جوعاً، واضطرت للدخول في العديد من الاتفاقيات المجحفة بسبب الحاجة للطعام، حيث يقول رئيس المجالس المحلية في الغوطة الشرقية نزار صمادي: النظام كان بحاجةٍ للحليب واللحوم من الغوطة، واضطر إلى عقد اتفاقٍ معنا، ونحن أيضاً اضطررنا للموافقة، وخلال شهر وعشر أيام تقريباً خرج من الغوطة الشرقية ما يقارب مليار و400 ألف ليرة، وذلك مقابل إدخال الشعير والعلف، وامتنع عن إدخال أي مادةٍ استراتيجية كالقمح مثلاً، الذي فكرنا فيما بعد بزراعته ضمن مساحات الغوطة، وهو ما تم بالفعل حتى لا نضطر لعقد هذه الصفقات، وتم تأسيس مكتب اقتصادي حديثاً لوضع الاستراتيجيات والدراسات الخاصة بالغوطة.

ويشير صمادي إلى أن معظم القوى الثورية كانت تعتقد بزوالٍ قريب للنظام، لذلك لم يكن لدينا مخزون استراتيجي، وهو ما جعل الناس في الغوطة يعيشون أياماً دون طعام.

العطالة الاقتصادية التي تشهدها المناطق المحررة، جعلتها تعيش فقط على المساعدات والمعونات، وهنا يقول خبير اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه: من الصعب المطالبة بتقديم رؤية اقتصادية استراتيجية، والسبب ببساطة يعود إلى تشتت قوى المعارضة وغياب المركزية والرؤية المشتركة على صعيد السياسة وأيضاً على صعيد الاقتصاد، وما يحدث أن كل منطقة تحاول بناء اقتصادها بشكلٍ منفصل.

لكن بدلاً من أن يكون لكل منطقةٍ قوتها المنتجة، أصبحت غالبيتها تعيش على التبرعات، وأحياناً الأتاوات أو بيع الغنائم.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الاعتماد الأكبر على تبرعات الأفراد، أما الحكومات فغالبية دعمها كان موجهاً للكتائب المقاتلة، ولا نفشي سراً إن قلنا أن كل ما تخزنه الكتائب يذهب لمقاتليها، ما دفع عددا كبيرا من الشباب إلى الالتحاق ببعض الكتائب من أجل العيش، وهنا دخلنا في نفقٍ جديد وهو أن العاطلين عن العمل باتوا يجدون في السلاح عملاً لهم، وبعد أن كان قتال النظام عقيدة أو جهادا أو مبدأ أصبح من أجل العيش.

سيطرت المعارضة على غالبية مناطق الشمال الشرقي من البلاد حيث تقع الثروة النفطية، لكنها ثروات مهدورة، كما يشير الخبير الاقتصادي، لبدائية أساليب استخراجها، وأساليب استخدامها، وإخراجها عبر الصهاريج إلى تركيا بشكلٍ خاص.

وفي بعض المناطق هناك جهات تحاول خلق مشاريع صغيرة، تحقق بعض الفوائد في المناطق المحررة، لكنها لا تلقى الدعم الكافي وهو ما يجعلها مشاريع هامشية وغير داعمة للاقتصاد.

وغالباً ما يلقي المراقبون باللوم على معارضة الخارج، التي، إلى الآن، لم تقدم مشاريع اقتصادية حقيقية يمكن التعويل عليها، ولأن المجتمع السوري منخور بالفساد منذ عقود، فقد طال الفساد مؤسسات الثورة الفتية سواء في الخارج أو حتى في الداخل، وأيضاً خرجت أمراض حاملي السلاح إلى السطح، كل ذلك أخّر بناء اقتصاد حقيقي للثورة ليكون بديلاً عن النظام في المناطق المحررة.

ترك تعليق

التعليق