تجار الجوع يبتزون المدنيين لإخراجهم من الحصار

لا تتوقف معاناة المحاصرين في المناطق الثائرة على غلاء المعيشة وفقدان المواد الغذائية والطبية، فخلف الأكمة ما هو أعظم، كالمتاجرة برغبة المدنيين في الخروج من تلك المناطق لقاء مبالغ طائلة.

تشهد المناطق المحاصرة متاجرة بجوع أبنائها عبر رفع الأسعار واحتكار المواد، بتعاونٍ وتنسيق بين التجار وبعض الكتائب المسيطرة في تلك المناطق، وبينما يواجه آلاف المحاصرين مصير الموت جوعاً تمتلئ مخازن المقاتلين بالمواد الغذائية والطبية.

هذا الواقع والخوف من مواجهة مصير الموت جوعاً دفع العديد من المدنيين للبحث عن طرقٍ للخروج من ريف دمشق الذي يضم ما يقارب مليون ونصف مدني، والأمر نفسه ينطبق على بلدات جنوبي دمشق وغيرها من المناطق المحاصرة، ويدفعون مقابل ذلك حوالي 150 ألف ليرة على الشخص الواحد تذهب لجميع الأطراف المشاركة في عملية التهريب "من الكتائب في المناطق المحررة وأيضاً من النظام".

قلائل هم الذين يملكون أموالاً يستطيعون دفعها "للمهربين" كما تخبرنا ناشطة من ريف دمشق المحاصر، فضلت عدم ذكر اسمها، وتشير إلى أن جيش الإسلام أحد الأطراف التي تشارك في عملية إخراج المدنيين، وفي الوقت الذي يتوقع فيه الكثيرون أن يكون إخراج المدنيين أحد واجبات حاملي السلاح الذين حملوا على عاتقهم حماية المحاصرين، إلا أن الواقع هو أنهم لا يقومون بذلك إلا بعد ضمان مصالحهم الشخصية، فأي شخص يريد الخروج يمكن تأمين الطريق له لكن بمبلغ يتراوح ما بين 150 إلى 200 ألف ليرة سورية.

وتؤكد الناشطة أن للكتائب طرقا، وهي ذاتها التي تستطيع من خلالها إدخال الطعام والسلاح كشراء الحواجز، وذات الطرق يتم من خلالها إخراج الناس.

لم يعد للمدنيين القدرة أو الطاقة على احتمال الجوع، لكن هل من مدخراتٍ في أيديهم تسمح لهم بدفع مبالغ ربما تصل إلى المليون ليرة على العائلة؟، تؤكد الناشطة أن هناك من يترك بيته للكتائب أو إن كان هناك ذهب أو ممتلكات أخرى غير السيولة النقدية، هكذا يتدبر المدنيون أمورهم.

لكن ورغم ما تعيشه الغوطة من حصار، إلا أن حالتها تبقى أفضل من مناطق أخرى محاصرة بسبب قدرتها على تأمين المواد الزراعية، لكن واقع الجوع في جنوبي دمشق، ورغم واقع الهدن القائم في بعضها، أثقل وطأة، وإذا كانت مساحة الغوطة الواسعة تجعل من الصعب إطباق الحصار عليها 100 %، إلا أن الحال مختلف في جنوبي دمشق، وهذا الاختلاف يجر معه أسعاراً جديدة لتهريب المدنيين الباحثين عن معابر تنجيهم من الموت، وهنا يشير أحد الناشطين في مخيم اليرموك، فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن إخراج الناس يبدو شديد الصعوبة لكن مع ذلك هناك من يطلب مبالغ تصل إلى 300 أو 400 ألف ليرة، ومعظمها يذهب للكتائب التي تحمل السلاح باسم الثورة، لكنها تاجرت بجوع الناس في الماضي واليوم تتاجر بطلبهم الخروج من الحصار.

ويؤكد الناشط أن هناك من يقوم بابتزاز المدنيين بطرقٍ مختلفة، والبعض لا حول له ولا قوة إلا قبول هذا الابتزاز للخروج إلى الحياة.

ترك تعليق

التعليق