نظراً لجهلهم بـ"تخاليج اللعبة المصرية": سوريون يفشلون في إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة

في الوقت الذي استقرت فيه استثمارات سوريا كبيرة بمصر منذ أكثر من عامين، تواجه الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة التي حاول بعض السوريين تنفيذها هنا، صعوبات جمّة، مرتبطة بحالة الفساد المستشرية في الدوائر الرسمية المصرية، ودرجة المحسوبية العالية، وحالات النصب الخطرة التي تجعل السوريين يعدون للعشرة قبل أن يودعوا أموالهم، التي عادةً ما تكون "تحويشة العمر"، في أي مشروعٍ غير آمنٍ مئة بمئة.

عصام أحد السوريين الذين خرجوا بـ "تحويشة العمر" من سوريا، وبعد إقامة دامت أكثر من سنة في مدينة الغردقة المصرية، قرر أن يدرس فكرة مشروع مدرسة سورية خاصة، يكون كادرها من السوريين، ومعظم طلبتها أيضاً من أبناء السوريين المقيمين هنا، بحيث تحل المشكلة التي يواجهها السوريون بالغردقة، في مجال التعليم. حيث التعليم الحكومي المصري ضعيف جداً، فيما المدارس الخاصة غالية للغاية، ولا تتمتع بمصداقية تعليمية كافية.

لكن عصام يخبرنا أنه غيّر رأيه بعد أيامٍ فقط من بدء بحثه الجدي في فكرة هذا المشروع. يقول عصام لـ "اقتصاد": "سمعت عن حالات نصب عديدة وقع فيها مصريون متمرسون، الأمر الذي جعلني أحتاط كثيراً، لكنني بعد أن خضت في تفاصيل مشروع المدرسة، وسألت مسؤولاً مصرياً في الهيئة التعليمية بالغردقة، شعرت بأنني سأقع دون شك، ضحيةً لحالة نصب معدّة بحكمة، مما دفعني للإدبار عن الفكرة برمتها".

عصام الذي كان مدرساً في ثانوية حكومية بريف دمشق، فَهِم من المسؤول التعليمي المصري أنه أمام خيارين: إما أن يكون مشروعه برأسمال ضخم قد يصل إلى نصف مليون دولار على الأقل، لأن القانون الذي يحكم المدارس الخاصة بمصر يحتم عليها أن تكون بمواصفات خاصة من حيث المساحات والنشاطات والخدمات التي تحويها المدرسة، أو، وهو الخيار الثاني، أن يحظى بتغطية من شريكٍ مصري، بحيث يفتح حضانة، ويحصل على رخصة على هذا الأساس، لكن داخل قاعاتها، يمكن أن يقيم دروس خاصة للطلبة السوريين وبكادرٍ سوري، وبصورة سرية.

يقول عصام لـ "اقتصاد": "شعرت أن في العرض حالة نصب فتراجعت. قد أكون كثير الارتياب، لكنني أفضل أن أصرف كل ما أملك على أكلي وشربي أنا وعائلتي لبضع سنوات، أفضل من أن أخسره دفعةً واحدةً في مشروع فاشل، أقع فيه ضحية عملية نصب، خاصة أنني كسوري لن يكون لي أي وجود قانوني في هذا المشروع، حسبما أخبرني المسؤول المصري".

حالة مماثلة أخبرتنا بها ابتسام، وهي سورية مقيمة منذ فترة في الغردقة، وقد عملت في عدة حضانات للأطفال، حيث يلقى هذا النوع من الأعمال درجة من الرواج في هذه المدينة السياحية، بحكم أن الكثير من العائلات المصرية العاملة في الغردقة، يقضي فيها الوالدان معظم أوقاتهما في العمل، مما يضطرهما لإيداع الأولاد في حضانة، أو دار مخصصة للرعاية.

لكن ابتسام، حينما قررت إدارة مشروع خاص بها في هذا المجال، وجدت أنها يجب أن تحظى بـ "غطاء مصري" عبر شريك، أو أن تفتح دون ترخيص نظامي، وترتب مع أحد المسؤولين داخل الهيئة التعليمية المسؤولة، بحيث تتهرب من عملية الترخيص التي عادةً ما تكون معقدة وطويلة للغاية، خاصة إن كان صاحب المشروع غير مصري، ولا يتمتع بملاءة مالية كبيرة.

زاهر، وهو صاحب مطعم في الغردقة، وله باع في الاستثمار بمصر، أخبرنا أن في مصر حيتان، كما في سوريا، وإذا لم تُشارك أحدهم، أو تحظى بتغطية من مسؤولين داخل الدوائر الرسمية المصرية، يُشاركونك في الأرباح، إذاً، فإن مشروعك سيلقى الفشل بسهولة. وأوضح زاهر لنا أن أصحاب المشاريع الضخمة قد يكونوا أوفر حظاً من خلال العلاقات الواسعة التي يمكن أن يتمتعوا بها هنا في مصر. "ففي مصر، كل شيء يسير بالعلاقات، وقلما تجد مشروعاً يعمل بصورة قانونية كاملة". هذا ما أخبرنا به زاهر.

وبهذا الصدد، يمكن للمراقب أن يلحظ أن أكثر المشاريع نجاحاً، وسهولة في التنفيذ بمصر، من جانب السوريين، هي مشاريع المطاعم والمأكولات، أما ما سواها، فإما أن السوري يحظى فيها بعلاقة مميزة مع شريك مصري متنفذ أو مسؤول يغطي نشاطه مقابل نسبة من الأرباح. وقد لا ينطبق ذلك على كل الحالات، لكن "اقتصاد" لم تتمكن حتى الآن من مقابلة سوري أخبرنا بأنه أقام مشروعه الاستثماري الصغير أو المتوسط، بسلاسة، ودون أية تعقيدات. وبذلك لا يختلف المشهد الاستثماري في مصر عن نظيره في سوريا قبل بدء الصراع المسلح، حيث الفساد والمحسوبية والعلاقات لها كلمة السبق في تقرير نجاح أي مشروع، لكن الفرق أن السوريين يعانون في مصر من قلة العلاقات العامة، والجهل بـ "تخاليج اللعبة المصرية"، كما قال لنا زاهر، الأمر الذي يجعلهم أضعف في أي نشاط استثماري يقومون به، وهو ما يدفع الكثير منهم إلى البحث عن مشاريع تجارية أو خدمية سهلة، كمحلات الأطعمة والمأكولات أو محلات الألبسة وغيرها، أو أن يبتعدوا تماماً عن أي نشاط استثماري، ويعتمدوا على استنزاف ما يملكونه من سيولة على أمل أن يتغير الحال في وقت قريب.

ترك تعليق

التعليق

  • 2014-06-01
    بأمكانكم زيارتنا في مقر الشركة في صعيد مصر محافظة المنيا نحن نعمل منذ خمس سنوات في مجال حفر الابار وتصنيع الحفارات وانتاج مستلزماتها