حكومة العالم الخفية وخراب دمشق....ما بين الأسطورة والحقيقة (1-3)

* منهج علمي لا خرافي
* "خطة بدأت إبان السبي البابلي"
* أربع رؤى كبرى لنهاية العالم
* "تهويد المعرفة"
* ملامح "مؤامرة" رافقت الثورة المصرية
* الوصول إلى نقطة الانفجار الحالية
* نبوءة اليمين الأمريكي بتدمير دمشق
* ضيف الجزء الأول من السلسلة: أحمد دعدوش

 

قد يكون من العصيب على البعض تقبّل أن ينشر موقع متخصص في الاقتصاد، تقريراً يتناول فيه نظريات وقراءات حول "حكومة العالم الخفية" ونبوءات "خراب دمشق" التوراتية، وأدوار الماسونية، والسلالات العائلية المتحكمة بالاقتصاد العالمي، حيال الحروب والفوضى المدمرة المُعتملة في المنطقة، وخاصة منها، بلدنا سوريا.

لكن، من قال بأن السياسة والحرب منفصلتان عن الاقتصاد، ومن قال بأن النخب الحاكمة، في المنطقة، وفي العالم، والتي تدير السياسة والحرب إقليمياً ودولياً، لا يحكمها منطق اقتصادي مصلحي. ومن قال أيضاً بأن تلك النخب لا تؤثر فيها رؤى غيبية، لطالما شكلت، وعبر التاريخ، إحدى أبرز العوامل المؤثرة في عقول وسلوكيات البشر.

ومن قال، في خاتمة مقدمتنا، أن نظريات "حكومة العالم الخفية"، ودورها في إطالة أمدّ الحرب الدائرة على التراب السوري، لا تستحق المناقشة بمنهجية عقلانية، تتيح لنا أن نعرف أين نقف من الآخر، وما الذي يُحاك لنا ولبلدنا.

* منهج علمي لا خرافي

يقرّ الكاتب والإعلامي السوري أحمد دعدوش* بصعوبة التطرق لنظريات "حكومة العالم الخفية". إذ إن هناك "فيتو" على مناقشتها، من جانب طيفٍ واسعٍ من المثقفين والنخب الفكرية والسياسية في منطقتنا، من منطلق عدم الإغراق في "نظرية المؤامرة".

يقول دعدوش لـ"اقتصاد": "الخوض في نظرية المؤامرة أصبح مخاطرة كبيرة، فهو أشبه بطرح نظرية التصميم الذكي (في علم الأحياء) بين علماء يحكرون العلم على داروين، وكذلك لا يسمح منظرو السياسة بأي حديث عن مؤامرة ذات أبعاد دينية في مجال التحليل السياسي، مع أننا نبحث في أحداث تاريخية مجردة وفي دوافع تلك الأحداث والتنبؤات بمنهج علمي لا خرافي".

* "خطة بدأت إبان السبي البابلي"

في نظريات "حكومة العالم الخفية"، كل شيء مرتبط بـ"إسرائيل"، سواء كانت هي الغاية، أو كانت مجرد أداة. حتى حينما نعلم أن أسهم شركات السلاح الأمريكية حققت أرباحاً كبيرة جراء الحرب التي تشنها دول "التحالف الدولي" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، نكتشف لاحقاً أن معظم هذه الشركات مُتشابكة مالياً مع "إسرائيل".

لكن القضية في رأي أحمد دعدوش أعقد من ذلك، فهي مؤامرة عمرها من عمر التاريخ. يقول دعدوش لـ"اقتصاد": "ما خلصت إليه من نتائج البحث أن اليهود تغلغلوا في العقل الغربي (ثم العالمي) وفق خطة بدأت إبان السبي البابلي، ثم تجسدت خلال الحروب الصليبية بدفع الكاثوليك إلى احتلال أورشليم، وصولا لإسقاط سلطة الفاتيكان وعلمنة أوربا وإشعال الحربين العالميتين وإنهاء الخلافة. أما الثورة العربية الكبرى فكانت خدعة انساق وراءها العرب بدواع قومية، فدمروا بأيديهم المظلة التي توحدهم وتحميهم وفقدوا "أرض الميعاد".

* أربع رؤى كبرى لنهاية العالم

حتى حينما تسقط طائرة ماليزية، ويبتلعها البحر، وتعجز كل تقنيات العالم وقدراته التكنولوجية عن إيجاد أي آثار لها، أو لركابها المفقودين، نكتشف لاحقاً أن المستفيد أحد نجوم "حكومة العالم الخفية"، الذي يتحدر من عائلة تتحكم بالعديد من المصارف والشركات الكبرى في أوروبا، "آل روتشيلد"، وهي العائلة "اليهودية" من أصول ألمانية، والتي تذكر المراجع التاريخية الرصينة، تفاصيل مُستفيضة عن أدوار شخصياتها في استصدار "وعد بلفور"، وتأسيس دولة "إسرائيل".

هكذا يبدو أن للمال "خلفية غيبية" تؤثر في عقول ممتلكيه البارزين في العالم. لكن ليس اليهود وحدهم أصحاب الرؤى والمخططات مزوجة البعد "اقتصادي – غيبي". بل هناك أيضاً ثلاث نُخب أخرى تلعب دورها في رسم خرائط السياسة والحرب والاقتصاد، بما يخدم رؤاها لنهاية العالم.
يقول أحمد دعدوش: "نحن أمام رؤى كبرى لنهاية العالم يتم توجيه السياسة والاقتصاد لتحقيقها، وأولها رؤية فئة من اليهود تسعى لإعمار هيكل سليمان في أورشليم ليعود إليه إلههم (يهوه) ويحكمون به العالم عبر ملك من سلالة داوود. والثانية تسعى لنفس الهدف ولكن تحت حكم إبليس والمسيح المزيف (الدجال)، والثالثة هي رؤية اليمين الأمريكي المتطرف التي تنتظر ألفية ثالثة يحكم بها المسيح (عيسى) من أورشليم، وهناك من ينتظر خروج المهدي (الإمام الثاني عشر) ليحكم العالم أيضا بعد تحرير القدس. وجميع هذه القوى أعظم نفوذا في السياسة والاقتصاد والإعلام من المسلمين السنة المشتتين بين سلفية جهادية فاشلة وعلمانية مغلوب على أمرها ولا تؤمن أصلا بتلك المؤامرات".

* "تهويد المعرفة"

يعتقد منتقدو نظريات "حكومة العالم الخفية" أن أدلتها ظرفية وغير حاسمة، لكن البحوث المتواترة في السنوات الأخيرة، زادت من فرص التعرف على حقيقة وجود "كينونة عظمى" تتحكم بالفعل في الاقتصاد العالمي. يقول أحمد دعدوش: "أدلة النفوذ اليهودي-البروتستنتي أوضح من أن تناقش، ويكفي أن نظام الاحتياطي الفدرالي الأميركي الذي يصدر الدولار هو بنك خاص يملكه اليهود، ونفوذهم واضح في المؤسسات السياسية والقانونية والإعلامية والعلمية، ما حدا بكاتب علماني مثل ممدوح عدوان لتأليف كتاب "تهويد المعرفة" عندما اكتشف عمق أثرهم في كل شيء".

* ملامح "مؤامرة" رافقت الثورة المصرية

النخبة التي تتحكم بالاقتصاد العالمي، تتحكم أيضاً بالإعلام، وشبكات التواصل. وكحصيلة لذلك، يبدو أن ثورات "الربيع العربي" كانت ضحية لمؤامرة فعلاً. يقول أحمد دعدوش: "عندما اندلعت الثورة المصرية رصد كثيرون ملامح مؤامرة فيها، ولعل من أكثر ما كُتب نزاهةً أعمال الدكتور بهاء الأمير، لكن ترديد الأنظمة لخطاب التآمر يجعل أي حديث علمي بهذا الاتجاه مجرد هرطقة في نظر معظم الناس".

* الوصول إلى نقطة الانفجار الحالية

وهكذا، ربما كان بشار الأسد مصيباً، نسبياً، في وصف "ثورات الربيع العربي" بـ "المؤامرة"، فهو دون شك، أحد أدواتها، بعلمٍ وسابق إصرارٍ، أو نتيجة الكِبر والطغيان المُتأصل في عائلته. يقول دعدوش: "ليس لدي ما يؤكد وجود المؤامرة في سوريا، لكن المؤكد أن أقطاب المؤامرة وضعوا المنطقة على مسار موجه منذ "سايكس-بيكو" بتسليط طغاة عملاء وترسيخ الطبقية والطائفية والقومية والتطرف لنصل إلى نقطة الانفجار الحالية، والتي يتم الآن توجيهها (برغم عدالة قضيتها) نحو مصالحهم".

* نبوءة اليمين الأمريكي بتدمير دمشق

بناءً على نظريات "حكومة العالم الخفية"، تطبق النخبة السرية التي تدير الاقتصاد والسياسة في العالم، خططاً تدريجية، غايتها تحقيق نبوءات بعضها توراتي، وبعضها "شيعي"، وبعضها الثالث "إنجيلي".

ويبدو أن دمشق لن تكون في مأمن من هذه النبوءات، ومن الراغبين بتنفيذها إشباعاً لقناعات غيبية تعتمل في عقولهم. يختم دعدوش: "في عام 2000 نشر فؤاد شعبان كتابه "من أجل صهيون" وعرض فيه مئات الاقتباسات عن نبوءة اليمين المتطرف الأميركي لتدمير دمشق الوشيك قبل احتلال أورشليم، وحسب التوراة المحرفة لا بد من الانتقام بتدمير بابل (العراق) ثم تحويل دمشق لتلة من الركام، والعجيب أن العرب اكتشفوا بعد الثورة العربية الكبرى حجم الخديعة واقتنعوا بحقيقة المؤامرة، لكن "تهويد المعرفة" عبر ثلاثة أجيال نجح أخيرا في تخويف العرب والمسلمين من أي إشارة لوجود مؤامرة، حتى باتوا يعجبون من تحول الربيع العربي لحروب أهلية وثورات مضادة دون أن ينتبهوا للنبوءات التوراتية المعلنة خشية وصمهم بالخضوع للفكر التآمري!"

***

لكن هل يمكن أن يكون التقرير السابق "إيغالاً في نظرية المؤامرة"؟

لا بد من المزيد من البحث للإجابة...

يتبع...

* ضيف الجزء الأول من السلسلة: أحمد دعدوش

كاتب وباحث وصحفي من مواليد 1979. يحمل دبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية، وهو مجاز في العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين. أصدر عدة مؤلفات في قضايا فكرية وإعلامية وفنية. عمل معدا ومخرجا لعشرات البرامج والأفلام الوثائقية. يعمل حاليا منتجا في قناة الجزيرة. له عدة مؤلفات، منها: "ضريبة هوليود.. ماذا يدفع العرب والمسلمون للظهور في الشاشات العالمية؟"، "المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام"، "مشكلة الزمن..من الفلسفة إلى العلم"، "قوة الصورة: كيف نقاومها؟ وكيف نستثمرها؟"، "دليل الناشط الإعلامي".

ترك تعليق

التعليق