"دمشق تفقد شبابها"

ترتفع الأسعار باستمرار، وتتدهور قيمة الليرة من حين لآخر، ويزداد التضخم، وتتفاقم أعباء الحياة....لكن سكان العاصمة وريفها "الآمن" تحديداً، ما يزالون قادرين على الصمود، نظرياً على الأقل...فكيف؟

سؤال طرحناه على خبير سابق في مجال التسويق بالعاصمة دمشق، قبل أن يغادرها منذ بضعة أشهر فقط.

"فادي الشام" (اسم مستعار)، خَبِر أسواق دمشق، قبل الثورة، وخلالها، يعتقد أنه لولا الدعم الخارجي للنظام لكان الوضع الاقتصادي في البلاد كارثيا. بتعبير آخر، لكان الاقتصاد توقف تماماً.

لكن من أين يتدبر الناس أنفسهم؟، ونحن هنا لا نقصد الطبقات الثرية، بل نقصد الطبقات الوسطى التي لا تملك مدخرات مالية كبيرة تعيش منها، بل تعتمد على دخولها الشهرية، وهي الطبقات التي تشكل الجزء الأكبر من مجتمعنا، حتى قبل الثورة.

يجيب فادي إجابة مفاجئة، يقول لنا: "هناك قلّة في عدد الشباب الراغبين في العمل...هناك عرض لفرص العمل يفوق الطلب، نسبياً".

قد تفاجئنا الخلاصة السابقة التي قدمها فادي، لكن الغرابة تزول حينما نعلم أن ثلاثة أسباب تقف وراء تقلص أعداد الشباب الراغبين بالعمل في دمشق تحديداً، "كابوس العسكرية"، و"التهديدات الأمنية"، و"ظاهرة الخطف" المتفاقمة.

فـ"كابوس" السحب إلى "العسكرية"، الذي تفاقم مؤخراً، دفع المزيد من سكان دمشق لفعل المستحيل لتهريب أبنائهم خارج البلاد.

أما التهديدات الأمنية، فهي تتعلق تحديداً بأبناء المناطق الملتهبة، الذين لجؤوا إلى دمشق، والذين تُعد "صوفتهم حمرا" لدى النظام. دون أن ننسى "كابوس" القذائف المتساقطة على العاصمة، من حين لآخر.

أما ظاهرة الخطف، وطلب الفدية، والتي تفاقمت مؤخراً، فهي تطول تحديداً أبناء العائلات الثرية، الذين يملكون القدرة المادية على تخليص أبنائهم من "كابوس العسكرية"، بالرشوة، لكنهم لا يشعرون بالأمان الكافي بسبب حالات الخطف التي تكررت، والتي ثبت فيها تورط شبيحة ومافيات أمنية تستهدف أثرياء دمشق.

ويعقب فادي موضحاً بأن ما سبق لا يعني أن من يعمل من الشباب أموره "عال العال"، فالواقع أن الرواتب متدنية للغاية، أو بالأحرى، قيمتها الحقيقية، بالليرة، متدنية للغاية، أمام الأسعار السائدة في السوق. وهي إحدى الأسباب التي تدفع الكثير من الشباب للتفكير جدياً بمغادرة البلاد، ففرص العمل المتاحة لا تُرضي طموح أي شاب، في ظل تدهور قيمة الليرة، وتدني القدرة الشرائية للدخول.

ويستطرد فادي الشام بأن من لا يملك منزلاً بدمشق أو ريفها "الآمن"، لا يستطيع أن يعيش فيها، إلا بأسلوب "التكافل". إذ تستأجر عائلتان أو ثلاثة منزلاً واحداً، ويتقاسم أفرادها الأعباء. وفي العائلات التي تضم عدة شبان أو شابات، يمكن للرواتب الضئيلة أن تحل مشكلتهم المعيشية، مؤقتاً، إن كانوا في حالة تكافل، لكنها لا تؤمّن لهم فرص الاستقلال وتأسيس حياة أسرية خاصة بكل واحد فيهم.

ويضيف فادي الشام بأن حالة البطالة الموجودة في دمشق هي نتاج تدني القيمة الحقيقية للرواتب المعروضة في فرص العمل. إذ يمكن أن تجد الكثير من المحلات التي تضع على واجهاتها إعلانات عمل، لكن معظم الشبان لا يرغبون باقتناص الفرص المعروضة، لأنها لا يمكن أن تُلبي حاجاتهم المادية.

ويختم فادي الشام: "تجار دمشق الذين كانوا يشغلون 10 أفراد، يشغلون اليوم اثنين، وبرواتب قليلة".

في نهاية المطاف، يبدو أن حالة "هرم سكاني" قد تُداهم المجتمع السوري قريباً. قد يكون هذا الكلام محض خيال حالياً، لكن مع عملية "تطفيش" الشباب بـ"العسكرية"، وبرواتب متدنية القيمة، وبدورة اقتصادية قاصرة، واقتصاد متهالك يعيش على الإعانات، لا يبدو أن شاباً طموحاً يمكن أن يتقبل حياةً كهذه.

ترك تعليق

التعليق