لماذا وكيف أخفقت أول فكرة لإيواء النازحين في بيوت طينية بريف حمص الشمالي

مع اشتداد وطأة الحرب وعمليات القصف والتهجير والقتل، اضطُر الكثير من النازحين في ريف حمص الشمالي للعيش في خيم بالعراء أو تحت الأشجار في الغابات أو في الملاجئ والمغاور والكهوف غير المهّيئة للسكن البشري.

 ومع اقتراب فصل الشتاء يتحول السكن في هذه الأماكن إلى مشكلة حقيقية، بسبب البرد القارص والصقيع في منطقة الريف الشمالي من حمص، ولذلك فكّر عدد من المهندسين والأشخاص ذوي الخبرة في الإيواء في مؤسسة (صدى قرى حمص المنسية) بإنشاء بيوت طينية تُبنى من اللبن (التربة الكدانية المجبولة بالماء والتراب الأحمر).

 ورغم أنهم باشروا في تنفيذ هذه الفكرة التي كان من المقرر أن يُبنى فيها 100 بيت طيني لإيواء النازحين والمشردين، إلا أنهم اصطدموا بعقبات التمويل المادي مع العلم أن تكلفة البيت الواحد لا تتجاوز الـ 400 دولار بما يعادل ثمن خيمة واحدة.

الناشط الإغاثي "سومر الأكسح" تحدث لـ"اقتصاد"عن فكرة هذا المشروع وأهميته بالنسبة لمئات النازحين بين قرى حمص الشمالية فيما لو تم تنفيذه قائلاً: "في السنة الماضية جهّزنا نحن كناشطين في مؤسسة (صدى قرى حمص المنسية) دراسة شاملة لقرية تتألف من بيوت لبن (طين)، ووضعنا الدراسات التخطيطية لهذا المشروع الإيوائي، وكانت الفكرة أن نبدأ بـ 100 بيت تستوعب مئات النازحين في منطقة شرقي العاصي، ومن ثم تطبيق الفكرة على مناطق أخرى من ريف حمص".

وأضاف الناشط الأكسح: "أردنا من هذا المشروع أن يكون بمثابة القرية المصغرة التي تتضمن المرافق العامة والمدارس والخدمات كافة، لأن أغلب المهجّرين من بيوتهم والنازحين كانوا يعيشون في"شوادر" بين الأشجار، فكان الهدف إيواؤهم في بيوت طينية متلاصقة، تشعرهم بالأمان والارتياح أكثر من السكن في خيام بين الأشجار، وهذا الكلام نعني به العائلات التي نزحت وليس لديها أقارب أو أماكن يسكنون فيها".

 وأردف الأكسح قائلاً: "قمنا بإنجاز بعض البيوت بدعم فردي، ولكن لم نكمل المشروع لأن الدراسة كانت تقتضي بناء 1٠٠ وحدة سكنية ضمن القرية المنشودة كما ذكرت".

وكشف الناشط الأكسح أسباب تعثر هذا المشروع الحيوي قائلاً:" بداية المشروع كان هناك صديق من فاعلي الخير تبرع بتكاليفه كافة، ولكنه لم يستطع تأمين المبلغ المطلوب، وقمت بعدها بتقديم دراسة متكاملة برسوم هندسية وتكاليف عمال ومواد وكل التفاصيل لجهة كنت أتعامل معها، ووعدوني بالتنفيذ ولكن للأسف تم تأجيل الموضوع، ووُضع على "الرف" في النهاية".

 وكانت الفكرة – كما أوضح الأكسح أن "تتبنى هذه الجهة المشروع مع جهات دولية ويتم تعميمه على مستوى أوسع من حمص لأن تكلفته رخيصة ومشابهة لسعر الخيمة. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل للأسف".

تم عرض المشروع على عدة جهات مسؤولة ومنها الإئتلاف الوطني ولم يلق أي تجاوب – بحسب ما أكد الناشط الأكسح-:"لم نترك هيئة في تركيا أو جهة خاصة أو عامة إلا وعرضنا المشروع عليها، وحتى أننا قمنا بترجمة المشروع إلى لغات أخرى غير العربية بهدف عرضه على جهات دولية دون جدوى".

 واستدرك الناشط الأكسح بنبرة مؤثرة: "يبدو أن الجهات المعنية تريد للنازحين أن يشعروا على الدوام بشعور النازح ويُحرموا حتى من الشعور بحائط يأويهم".

وشرح الناشط الأكسح مزايا هذا النوع من السكن ومدى تقبل الناس للعيش فيه قائلاً: "البناء الطيني موجود في المنطقة سابقاً، والناس كانت تعيش فيه حتى وقت قريب ولذلك هناك تقبل للفكرة بشكل جيد، إلى جانب أن البناء الطيني كما هو معروف عازل ممتاز من الأمطار والبرد ولا يحتاج إلى تدفئة كبيرة، ومكان بناء الغرف موجود بشكل مجاني سواء على شكل مخيمات أو شكل غرف إفرادية، وهناك سهولة في إزالة المخيم مستقبلاً في حال رغب شاغلوه بإزالته".

وعن كيفية إنشاء البيوت الطينية يقول الناشط الأكسح: "يتم جبل التربة –الكدانية- مع التربة الحمراء والتبن مع الماء لمدة لا تقل عن 24 ساعة، ويُحرّك المزيج بالرفوش أو يُدهس بالأقدام، خلال هذه الفترة يُصب المزيج المليّن بالقالب ويُترك ليجف في أشعة الشمس لمدة ثلاثة أيام، ويتم جمع القوالب مع بعضها ورصها بالشكل المطلوب باستخدام نفس المزيج السابق، ثم يُطلى البناء كاملاً بالمزيج السابق، مع إضافة بعض المواد العازلة للماء".

 ويشرح الناشط الأكسح- أن "السقف يُبنى بشكل جملوني من أجل التغلب على مشكلة الرشح، وتستخدم المواد التالية في السقف خشب مورين عدد 8 بطول 4 متر نايلون قياس 5×4 *5 الواح خشب مضغوط ( إ مدي إف ) عدد 8".

أما تكلفة الغرفة الطينية الواحدة كما يؤكد الناشط "سومر الأكسح" فـهي "لا تتجاوز 400 دولار متضمنة ثمن المواد كلها مع تعويض للعمال مع العلم أن أغلبهم متطوعون. وبالنسبة للمواد اللازمة للبناء فهي متوافرة بشكل كامل، إذ يتم الحصول على التربة الكدانية من خلال حفر حفرة جانب الغرف وتصبح بنفس الوقت ملجأ للسكان كما يمكن بناء الغرف بشكل متلاصق وذلك للأخوة مثلاً من أجل توفير جدار لكل غرفة لصيقة، ويمكن بناء الغرف بالقياس والشروط المطلوبة".

ترك تعليق

التعليق