هل ما تزال مصر ملاذاً آمناً للاستثمار السوري؟

يحصل كبار المستثمرين السوريين في مصر على مزايا وتسهيلات كبيرة مقابل الصعوبات التي يعانيها أصحاب المشروعات الصغيرة أو المتناهية في الصغر، ولا يوجد حاليا في مصر ما يحفز الاستثمار أو المناخ الذي يرعى وينمي المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلا أن فقدان السوريين المقيمين في مصر لأمل العودة إلى الداخل دفعهم نحو إقامة مشاريع صغيرة أو متناهية في الصغر.

هذه المشروعات الاقتصادية تعمل في الظل وسط مناخ من عدم الاستقرار ولا تجد أي نوع من الدعم والحماية، ويفتقد هذا النوع من المشروعات إلى الخطة التسويقية ويعاني من ضعف في تصريف المنتجات، إضافة إلى العمل الفردي، الأمر الذي جعل من الربح السريع والصناعات الغذائية هدفا لبعض رجال الأعمال "صغار المستثمرين".

*دفع الضريبة مرتين

المستثمرون السوريون دفعوا الضريبة مرتين عندما غادروا بلدهم، وعندما تعرضوا للسرقة والاحتيال و"البلطجة"، فرجال الأعمال السوريون الذين يرغبون في إقامة مشروعات صغيرة أو متوسطة، يعانون أشد المعاناة عند استخراج التراخيص اللازمة لتشغيل مشروعاتهم، فيما يوفر قانون الاستثمار تسهيلات كثيرة لكبار المستثمرين السوريين مثل غيرهم من المستثمرين الأجانب.

وعلى الرغم من مطالبة المستثمرين السوريين السلطات المصرية بتسهيل اجراءات تراخيص المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنهم لن ينالوا القدر الكافي من التسهيلات أو الحماية القانونية خاصة أنهم يعاملون تحت ما يسمى باقتصاد الظل.

*العمالة السورية تغزو مصر!

امتلاك السوريين للمحال التجارية يعتبره البعض من المصريين نوعا من الالتفاف على القانون ..حيث لجأ السوريون للبحث عن شريك مصري ولو بشكل صوري "واجهة" لتوفير الغطاء القانوني، بينما لجأ البعض إلى البلطجية. وخصوصاً في مدينة السادس من أكتوبر.

(محل لبيع الملبوسات السورية قرب القاهرة)



وفي الأحياء ومراكز المدن المصرية –أماكن تواجد السوريين- بات التغيير الواضح من وضع لافتات على المحال التجارية بأسماء سورية، وهذا ما دفع بعض الاقتصاديين بمصر إلى التحذير من خلل في الأمن الاقتصادي والاجتماعي على -حد قولهم، نظراً لاستحواذ السوريين من أصحاب رؤوس الأموال على أغلب المحال التجارية في المناطق الحيوية التي يستأجرونها أو يشترونها بمبالغ باهظة يصعب على التجار المصريين أن يفعلوا ذلك مثلهم، في ظل الركود الاقتصادي في مصر.

(إحدى مطاعم المأكولات السورية الشهيرة قرب القاهرة)


ومنذ أن نشأت حملات التحريض الإعلامي والاعتداءات الجسدية واللفظية على اللاجئين السوريين غادر العديد من رجال الأعمال السوريين متوجهين إلى الأردن وتركيا نظراً لانعدام الشعور بالأمان، إضافة إلى ضعف النشاط الاقتصادي في مصر وصعوبة ظروف المعيشة. كما أن عدداً من صغار المستثمرين السوريين وأصحاب المحال التجارية غادر مصر فعلاً عن طريق البحر.

العمالة السورية لم تغزُ مصر كما يُقال، بل على العكس فإن الجهات المعنية بمصر حصرت المشروعات التجارية للسوريين وأخضعتها للضوابط والشروط التي تجبرهم على الاستعانة بالعمالة المصرية إذا رغبوا الاستمرار في أنشطتهم، إلا أن الصُناع السوريين أكفاء ومحترفون وخصوصاً في قطاع النسيج، وذلك وفق دراسات ميدانية لمنظمة العمل الدولية، ومن يتقن التجارة والصناعة لا يخشى التوغل أو تصريف البضائع في السوق المصرية، إلا أن بعض المشغولات اليدوية تعاني من التصريف.

*"صنع في سورية" يتراجع تدريجياً

وبالمقابل لجأ بعض صغار المستثمرين إلى تشكيل كيانات خاصة بهم، ومنهم من انضم إلى حيتان السوق المصرية ونافس ماركات عالمية بمصر، وحمى نفسه ومشروعه بالأموال والبلطجة، كما لجأ البعض الآخر إلى بيع علامات تجارية سورية عريقة للمستثمرين المصريين بمبالغ كبيرة مع الحفاظ على المنتجات والعمالة، كما أن بعض الاستثمارات المتوسطة والصغيرة هربت وبقيت فقط الاستثمارات الصناعية الكبيرة، أما وجهة هذه الاستثمارات اليوم فهي تركيا.

وتنوعت الاستثمارات لتشمل حديثاً صناعة المفروشات بكامل خطوط إنتاجها، وقد شهدت كل من مدينة 6 اكتوبر والتجمع الأول ومدينة نصر والشروق افتتاح معارض كبرى للمفروشات لتنافس المفروشات التركية ذات السمعة الجيدة في السوق المصرية.

ويبحث صغار المستثمرين من السوريين عن الاستثمار في مشروعات سريعة الربح وذات طابع استهلاكي، بعيدا عن دورة إنتاج طويلة التجارة "بضائع أكثر من آلات والأصول ثابتة"، وظهر حديثاً ميل بعض رجال الأعمال إلى الاستثمار في المجال العقاري في مناطق مثل المعادي، مصر الجديدة والقاهرة الجديدة، وتحولت الأفران الصغيرة إلى شركات لصناعة الخبز والحلويات.

لكن التجمع الأكبر للسوريين يبقى في مدينة 6 أكتوبر، وأصبحت مطاعم "الجناني" وبوز الجدي والبغدادي، وحلويات سلورة وبوظة أمية ورستو، علامات تجارية هامة تستقطب الزبائن المصريين أكثر من السوريين، واستطاع السوريون بهذه المشروعات تغيير بعض أنماط الاستهلاك الغذائية لدى شرائح كبيرة من المجتمع المصري، وباتت "الحواضر" السورية من مكدوس ولبنة وحتى حلاوة الجنبة والكنافة النابلسية والفلافل والفطائر حاضرة على الموائد المصرية.

(مطعم للحلويات السورية قرب القاهرة)


وفي منطقة الحصري والأحياء القريبة منها كالحي الثاني والسابع، هناك نشاط اقتصادي سوري في مجالي التعليم والصحة، وفي مدينة السادس من أكتوبر ترى بوضوح الطابع الاقتصادي السوري.

*مصر ليست جاذبة بالقدر الكافي

قبل العام 2012 كانت العرائس المصرية تتفاخر بالجهاز السوري، ولكن مع استمرار الحرب في سوريا وانهيار الصناعة بدأ شعار "صنع في سورية" يتراجع تدريجياً عن السلع الموجودة في الأسواق المصرية ليستبدل بعبارة صنع في مصر، كما أن بعض البضائع السورية تأتي من تركيا.

ولا تعد مصر من الدول الجاذبة للاستثمار، ووفق تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان)، جاءت مصر في المرتبة الـ 11 عربياً والمرتبة الـ112 عالميا كمضيف للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وكما ذكرنا سابقاً ...تتوزع الاستثمارات السورية سواء أكانت مصانع أو محال تجارية في العاشر من رمضان والسادات و6 اكتوبر والعبور والرحاب، وهناك علامات تجارية كبيرة دخلت السوق المصرية بقوة، على الرغم من محدودية الاغراءات والامتيازات المقدمة لرأس المال السوري.

ورغم ذلك بدأت الاستثمارات السورية بالدخول إلى مصر مطلع 2012 وتم تخصيص أراضٍ لها بالمدن الجديدة في قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة ومواد البناء، وكانت مصر تعد الملاذ الآمن للماركات والشركات ورجال الأعمال السوريين، وهناك عدد كبير من رجال الأعمال السوريين يعيشون ويستثمرون أموالهم في مصر حالياً، إضافة إلى شركات قيد الإنشاء، وهو ما عوض تراجع الاستثمارات الأجنبية في مصر.

إلا أن المستثمر السوري مازال يواجه بعض الصعوبات في التعامل مع الجهات الحكومية المعنية بالاستثمار، مثل إجراءات استخراج التصاريح للأعمال والمنشآت في المدن الصناعية خاصة العبور والعاشر من رمضان، وكذلك صعوبة الحصول على إقامة دائمة للمستثمرين وذويهم، هذا الأمر دفع بعض المستثمرين السوريين للمغادرة أو إلى تجميد مشاريعهم في مصر خصوصاً في قطاع النسيج الذي كان من المتوقع أن يجذب استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار.

*انقسام رجال الأعمال في مصر

انقسام رجال الأعمال السوريين بين مؤيد ومعارض للنظام، جعل من العمل فرديا لا جماعيا، وحتى اليوم لا توجد جهة واحدة تجمع شمل السوريين، إضافة إلى ذلك فإن تشتت وتشعب جهات العمل سواء في الجالية السورية أو مجلس جاليتها أو أي كيانات أخرى جعل الحكومة المصرية لا تعترف بهم، هذا المشهد طغى على التواجد السوري في مصر، مما دفع البعض إلى اعتماد التقسيم الجغرافي على أنه سياسي، لتجد رجال أعمال معارضين في 6 أكتوبر، وآخرين مؤيدين في مدينة نصر والرحاب ومصر الجديدة.


يذكر أن حجم الاستثمارات السورية التي كان مزمع ضخها في مصر 2 مليار دولار، تتركز في قطاع النسيج كثيف العمالة، وأعلنت وزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية أنها أنشأت وحدة مختصة للتعامل مع رجال الأعمال السوريين، وقالت حينها إنها تسعى لخلق منطقة صناعية سورية، كما وعدت الجهات المعنية المصرية المستثمرين السوريين بتسهيلات لحل مشاكلهم من دون أن تكون هناك نتائج ملموسة على الأرض حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق