الشاب "فارس" و"دلعونا" الصناعة السورية

تميز فارس الشهابي، رئيس ما يسمى بـ "اتحاد غرف الصناعة السورية"، على الدوام، بأنه صاحب مواقف متقدمة في دعم النظام السوري .. ، وأكثر من ذلك حاول النظام أن يقدمه ضمن جوقة من الموالين له من الطائفة السنية، القاسم المشترك بينهم مطالبتهم للنظام باستخدام كل الأسلحة المتاحة بما فيها الكيماوي لإبادة الثورة .. ما يعني أن مؤلف أغاني هذه الجوقة هو النظام ذاته وأجهزته الأمنية من أجل إيصال رسالة قذرة للسوريين بكافة طوائفهم وانتماءاتهم بأن السنة وحوش ودمويون وهم من يطالبون بإباده أهلهم ..

بكل الأحوال ليس هذا موضوعنا ... لأن مسيرة فارس الشهابي قبل الثورة وتحديداً منذ توليه رئاسة غرفة صناعة حلب في العام 2008 وإزاحة سابقه، أبو كامل، محمد صباغ شرباتي، كان المقصود منها تربية شخص بمواصفات انتهازية وتشبيحية .. وكان النظام يحضر نفسه لمرحلة غير هذه المرحلة لكنه زج به في هذه الأحداث كشخص متعدد المواهب.

في العام 2010 أتيحت لي الفرصة لأن ألتقي الرجلين مطولاً في إطار فيلم وثائقي كنت أعده عن المدينة الصناعية في الشيخ النجار .. كان واضحاً الفرق بينهما، الأول، وأقصد صباغ شرباتي، كان امبراطور صناعة النسيج في الوطن العربي، وكان رجلاً متزناً وعلى علاقات طيبة مع نظام حسني مبارك، لدرجة أن مبارك ذاته كان يزور معامله في مصر، بعد أن بلغ عدد العمال الذين يشغلهم هناك نحو عشرين ألف عامل، بينما الشهابي فكان والده امبراطور صناعة الأدوية في سورية .. وكان الشاب فارس طموحاً في الوصول إلى أي سلطة بشتى السبل، وكان يعرف أن الطريق يمر عبر عباءة رامي مخلوف تحديداً، لذلك كان أكثر استعداداً من صباغ شرباتي لربط الاقتصاد الحلبي بمشروع رامي مخلوف ... إضافة إلى كل ذلك، كان خفيفاً وأهوجَ وتصريحاته غير منضبطة لدرجة كنا نحرص على عدم استضافته على الهواء مباشرة في البرامج التلفزيونية الاقتصادية ... ورغم كل ذلك وقع اختيار النظام عليه ليتولى منصب رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وهو المنصب الذي كان يتولاه رجل الأعمال الشامي عماد غريواتي ... وأيضا عند المقارنة، فإن الفرق شاسع بينهما لدرجة التناقض ...

عندما سألت صباغ شرباتي عن ما حدث لدى انتخابات غرفة صناعة حلب وكان المرشح الأبرز لها، قال لي: "جاءني اتصال يطلب مني الانسحاب من الانتخابات لصالح فارس الشهابي ... "!!

خلال الفيلم الوثائقي، حدث معنا ما كنت أتوقعه، فقد حاول فارس الشهابي التحرش بالمذيعة هناء الصالح التي كانت تجري اللقاءات .. لكنها استطاعت صده بدبلوماسية .. وزدت يقيناً حينها أن النظام باختياره لهذا الشاب الأهوج، إنما يخطط لأمر ما لعاصمة الصناعة السورية ... فقد كانت الصناعة الحلبية تشهد أسوأ مراحلها في تلك الفترة .. وذلك بعد الاتفاقيات والتسهيلات التي قدمها النظام لتركيا في المجال الاقتصادي، وهو ما مكنها من غزو الأسواق الحلبية والتسبب بخسارة كبيرة لقطاع الصناعات النسيجية بالذات، وهي الصناعة الأبرز في حلب، والتي يشتغل فيها أكثر من 200 ألف عامل ... وهو أمر كان مقصوداً لـ "حلب"، لكن لماذا ..؟

الزائر لحلب كان ينتابه شعور على الفور أنه وصل إلى محافظة لا تنتمي إلى سلطة النظام وبشار الأسد، ليس لأسباب سياسية، وإنما بسبب عدم ارتباط أهلها بالوظائف الحكومية، واشتغالهم بالتجارة والصناعة والمهن الحرة ... فحسب الإحصاءات الحكومية كان هناك أكثر من 500 ألف عامل يشتغلون لدى القطاع الخاص في مهن مختلفة وأغلب هؤلاء مع أسرهم لا يكادون يعرفون من هو رئيس الجمهورية ومن هو النظام.. إضافة إلى أن نسبة التسرب من المدارس والتعليم كانت كبيرة جداً في حلب لصالح الاشتغال في الأعمال الحرة ... لقد قال لي هذه الفكرة محافظ حلب آنذاك "علي منصورة"، وأضاف أنه عندما تم اختياره محافظاً في العام 2009 على ما أعتقد، كانت مهمته التي أوكلت إليه، هو إشعار أهل حلب بوجود النظام وقوته .. ومن هنا كان بشار دائم الزيارة إلى حلب ودائم التودد إلى أهلها في تصريحاته ... وحاول كثيراً أن يثبت وجوده في تلك المحافظة دون أن يفلح .. لذلك عمد النظام إلى طريقة موازية، وهي تدمير الصناعة الحلبية بشتى السبل .. وهو ما نجح به إلى حد كبير عبر فارس الشهابي، الذي مارس دوراً تشبيحياً على الصناعيين، وساهم بخروج الكثير منهم إلى تركيا وإلى لبنان ومصر والسودان والامارات ... إضافة إلى أنه كان عراب فكرة انتقال بعض المصانع والمعامل من حلب إلى اللاذقية وطرطوس، وقد نجح في هذا الأمر إلى حد ما، لكن الثورة عاجلته وعاجلت النظام معه، ولم يكتمل المشروع ... لهذا كان انتقام النظام من حلب كبيراً والتدمير ممنهجاً، كونه كان من الأساس يعتبر أن هذه المحافظة هي خارج سلطته ..

تشير الاحصاءات اليوم إلى تدمير أكثر من ألف معمل في حلب، وتوقف العدد الآخر المتبقي عن العمل، وما كان يسمى سابقاً "عاصمة الصناعة السورية"، أصبح اسمها اليوم للأسف، المدينة الأكثر نكبة في سوريا ...

من أجل كل هذا ، أنقذوا حلب ...!!، فهي على ما يبدو، كانت مدينة أكثر "سورية" من غيرها ...!!

ترك تعليق

التعليق