اقتصاديات.. لمن نذبح الأضاحي..؟


مشيت متثاقلاً إلى الجزار.. لقناعتي أن هذه البلاد لا يوجد فيها فقراء وليس لي فيها أقارب ولا أصدقاء.. فلمن سوف أذبح الأضحية..؟، وبالنسبة لنا، مذ خرجنا من سوريا، لم نعد "نستطعم" بشيء.. وكأننا نأكل صنفاً واحداً من الطعام، لا فرق فيه بين الخبز واللحمة..!!
 
دار حوار بيني وبين الجزار التونسي حول الأضحية التي سأشتريها، وانتهى إلى خلاف "فقهي" و"إنساني"، وجدته فرصة للعدول عن الفكرة تماماً.

بدأ الخلاف عندما أخبرني الجزار، الذي كان رجل دين أيضاً، ولا تستمع في "مجزرته" سوى لصوت القرآن والأناشيد الدينية، أن الأضحية التي يريد أن يبيعني إياها، مذبوحة، على ذمته، منذ نحو أسبوع في اسبانيا..!

فقلت له إن الشرع يقول إن الذبح يجب أن يكون بعد صلاة العيد وخلال أيام العيد.. ما يعني أنها في هذه الحالة لن تكون أضحية..!!

حاول "الجزار" بشتى السبل إقناعي أنه مع الظروف في البلد التي نعيش فيها، يعتبر الخروف المذبوح منذ أسبوع أضحية، وأن هناك فتوى في هذا المجال.. لكني لم أقتنع ولا أريد..
 
أما النقطة الثانية التي جرى حولها الخلاف، هي عندما أخبرته أنني لا أرى فقراء من العرب في هذا البلد.. وإنما لاعبي قمار وحشاشين وسكرجية و"عواطلجية"، وكذلك ليس عندي أقارب ولا أصدقاء هنا.. فلمن سأعطي الأضحية..؟، وهنا أيضاً حاول الجزار أن يجد لها فتوى.. فأخبرني أنه بإمكاني أن آخذ حصتي من الخروف وأن أدع له الباقي، لأنهم يتعاملون مع جمعية تقوم بإرسال اللحوم إلى فلسطين..
 
طبعاً هو قال هذا الكلام لأنه يعرف أني سوري، وأخواننا العرب لديهم اعتقاد، أننا السوريون لازلنا مهوسين بالقضية الفلسطينية...!!، لذلك هو ظن أنه عندما سيقول لي هذا الكلام فكأنما وجه لي الضربة القاضية وأقنعني تماماً بشراء الأضحية.. فقلت له: ليتك قلت أنكم سترسلونها إلى سوريا..!!، رغم أني على يقين أنكم لن ترسلوها لا إلى فلسطين ولا إلى سوريا... لذلك أنا قررت عدم شراء الأضحية... ألا يكفينا ما ضحينا به على مدى أربع سنوات..؟

غادرت الجزار وصوت يصيح في أعماقي.. لله دركم أيها السوريون.. المسلمون في أنحاء الأرض يضحون ببهائم الأنعام في عيد الأضحى، وأنتم كل يوم تضحون بأطفالكم ونسائكم وشبابكم وشيوخكم، ومع ذلك تبحثون عن أضحية عيد الأضحى..
 
هامش: الجزارون هنا يمكن الأخذ والعطاء والاختلاف معهم، تحت سطوة القانون.. بعكس بلادنا.. لا ينصح به إطلاقاً...!!

ترك تعليق

التعليق