بالتفاصيل والأرقام الدقيقة.. رحلة شاب سوري من لبنان إلى ألمانيا

تعرض "اقتصاد" تفاصيل قصة حقيقية لشاب سوري قرر خوض عباب البحر والمجهول من لبنان عبر تركيا وصولاً إلى ألمانيا.

 وتعود تفاصيل طريق اللجوء هذا إلى الشهر السادس من العام الجاري، قبل أن تحدث التطورات والمتغيرات الأخيرة في بلاد العبور إلى ألمانيا.

بحثاً عن أمن مفقود في بلده المنكوب سوريا، و"بتطفيش" متعمد من دولة "شقيقة" هي لبنان، قرر هذا الشاب أن يخاطر بحياته عبر البحر المتوسط، والغابات والسهول والجبال الأوروبية، علّه يجد مستقبلاً أفضل في بلد أوروبي، باتت تبدو فيه الفرص أفضل لأغلب السوريين الهاربين من شبح الموت والاعتقال والجوع.

 كانت بداية الطريق في لبنان

بيّن لنا هذا الشاب أنه إذا كنت في لبنان، لا يوجد سبيل للهجرة سوى طريقة السفر إلى تركيا، وباستخدام جواز السفر حصراً، وذلك عبر الحصول على إذن سفر من الأمن العام، ومن كان مخالفاً، ولم يجدد كرته، عليه التجديد كونه كان مخالفاً، وذلك بدفع 200 دولار للتجديد، ليُسمح له بالسفر.

 بعد أخذهم جواز السفر وإعطائه كرت أخضر مؤقت، والمراجعة بعد عشرة أيام، يحصل السوريّ على جواز سفره مختوماً للمغادرة خلال عشرة أيام.

 أما من دخل لبنان تهريباً، "خلسة"، وليس لديه أوراق دخول أو ليس لديه "كرت أخضر"، ويريد السفر إلى تركيا، عليه التوجه للأمن العام اللبناني، وإجراء "تسوية جواز سفر"، للتسفير من لبنان، وقد تبلغ كلفة هذه التسوية 200 ألف ليرة لبنانية (حوالي 133 دولاراً)، يُعطى مهلة عشرة أيام للخروج أيضاً، ويُمنع من دخول لبنان لمدة 16 سنة.

بعد الحصول على جواز السفر، تأتي مرحلة الحجز للسفر إلى تركيا، وهناك طريقتين، إما بالطائرة وأسعار التذكرة كالبورصة متفاوتة، قد تحجز بين 210-400 دولار، وصاحبنا حجز إلى اسطنبول بـ 400 دولار. وطريق ثاني عبر البحر بالباخرة بحدود 160 دولاراً. أما عن طريق التهريب فهو صعب جداً وغير مضمون.

 بعد الحجز، تأتي مرحلة تحضير الملابس والأوراق الثبوتية كالشهادات وغيره.

 تركيا.. مهربون ومافيات

 بعد الوصول إلى اسطنبول بالطائرة، تابع صديقنا: "استقليت الباص إلى أزمير بـ 100 ليرة تركية. وفي إزمير تم الاتفاق مع مهرب تركماني سوري من منطقه حدودية تم الوثوق به، لأنه كان قد قام بإخراج أصدقائي قبلي، وتم الاتفاق معه على مبلغ900 دولار كاش. اللافت أن كل من يتم الاتفاق معهم من مهربين ما هم إلا سماسرة، ولا يُعرف المهرب الحقيقي، حتى السمسار نفسه لا يعرفه، فقط عبارة عن رقم هاتف ويحصل السمسار على 50 دولاراً عن كل شخص يتم تهريبه".

 وشبّه محدثنا بعض من قابلهم من العاملين في مجال تهريب البشر، بشخصية "ظاظا" في مسلسل "وادي الذئاب" التركي الشهير.

 ويتم عادة اللقاء بالمهربين في الساحات والمقاهي والحدائق، أو منزل أحدهم. بعدها يتم في وقت ومكان متفق عليه الصعود في مركب مطاطي "بلم"، ثمن البلم 2000 دولار تقريباً، يؤمنه المهرب، واللافت أيضاً أنه كان في البلم 41 شخصاً بينهم عائلات ولا يقودهم أي أحد من المهربين، إنما شخص من المهاجرين ممن لديه خبرة، ويقوم المهرب بالتوجيه عبر الهاتف فقط.

 ومما قاله المصدر أيضاً: "إنت وحظك، ممكن توصل أو يغرق البلم، أو يتوقف المحرك وتنحبس بالبحر، فنحنا طلعنا الساعة 1:30 ليلاً، وصلنا إلى جزيرة كوس اليونانية 3:30 ليلاً. وخلال الطريق في البحر لم يتدخل خفر السواحل اليوناني رغم أنهم رصدوهم، وذلك لكثرة العابرين وللمل الذي أصابهم.

 في اليونان

 أكمل لنا: "نزلنا الجزيرة واستلمتنا الأمم المتحده بعد أن اتصل بهم البوليس اليوناني"، وقاموا بأخذ بصماتهم وتصويرهم ونقلهم لمخيم خاص باللاجئين لمدة يومين، بعدها تم منحهم أوراق إقامة مؤقتة لمدة 6 أشهر نظامية في اليونان، "يكون لك فيها حرية التنقل والتجول التامة".

 بعدها، عمل صاحبنا على استقلال طائرة بـ 100 يورو من جزيرة كوس إلى مدينه "سالونيك"، ثاني أكبر مدن شمال اليونان، مختصراً بذلك يومين مقارنة بالطريق الآخر. والطريق الآخر للانتقال من الجزيرة إلى أثينا، هو السفر بالبحر بباخرة بـ 40 دولاراً، ومن أثينا إلى حدود مقدونيا بـ80 دولاراً بالباص.

 في سالونيك اليونانية، أقام صاحبنا ليلة واحدة في فندق متوسط التصنيف بـ 30 يورو لينتقل في الصباح مستقلاً الباص بـ40 يورو إلى أقرب نقطه حدودية من مقدونيا بـ50كم، ليتسللوا عبر الحقول الزراعية في مجموعة مكونة من 10 أشخاص سوريين، لوجود مشلحين وقطاع طرق في مناطق الحدود البرية من جنسيات مختلفة منهم "أفغان ومغاربة وسوريين"، لذلك يتنقل المهاجرون في مجموعات لا تقل عن 10 أشخاص تتسلح بالمتاح من سكاكين وهراوات.

 مقدونيا

 بعد التسلل مشياً على الأقدام عبر الحقول الحدودية يتم شراء دراجات هوائية من أول قرية مقدونية بـ 120 يورو للتنقل بها عبر مقدونيا باتجاه صربيا، ويتم شراء المواد الغذائية والماء من السوبر ماركات والنوم في الغابات والبراري بفرشات سفر ثمنها 40 يورو.

وخلال التنقل، كان البوليس المقدوني يدلهم على الطريق، ويقدم لهم بعض الأهالي ماء وطعام. واستمرت الرحلة يومين كاملين.

 صربيا

 عند آخر قرية مقدونية بالقرب من حدود صربيا، يتم بيع الدراجات الهوائية بـ 60 يورو، والتسلل إلى صربيا عبر الحقول والغابات (لم يكن يوجد سياج حدودي في ذلك الوقت). وكالعادة يتم التجمع والتنقل في مجموعات للحماية من المشلحين وقطاع الطرق الموجودين في هذه المنطقة الحدودية أيضاً.

 بعد التوغل داخل الحدود الصربية بـ 15 كم تقريياً للوصول إلى أول قرية، وعند محطات القطار والباصات، كان عدد اللاجئين قرابة الـ 500 شخص، حيث قام البوليس الصربي بإرجاع اللاجئين ومنعهم محاولاً ردهم على أعقابهم، لكن اتفق اللاجئون على تقسيم أنفسهم في مجموعات من 10 أشخاص، والتفرق والتسلل دفعة واحدة من عدة محاور، فقد على إثرها البوليس السيطرة، وتم الصعود في باص باتجاه "بلغراد" بـ 50 يورو، أقام صاحبنا في فندق لمدة يومين الليلة بـ30 يورو.
 
من بلغراد استقل الباص بـ 50 يورو إلى مسافة 50 كم من حدود هنغاريا، ليتم التسلل ليلاً عبر الغابات لمدة 9 ساعات مشياً من الغروب حتى الصباح.

هنغاريا "المجر"

 عند أول قرية مجرية يوجد سيارات تاكسي بانتظار الهاربين بـ 100 يورو للراكب الواحد لإيصالهم إلى "بودابيست"، وفيها نزل صاحبنا في فندق يومان الليله بـ 30 يورو. تم في الفندق الاتفاق مع مهرب غير معروف الجنسية لإيصاله إلى ألمانيا عبر النمسا بـ 500 يورو "كاش". حصل صاحبنا على رقم المهرب من أصدقائه الذين سبقوه بالعبور.

 تم الاتفاق والصعود بسيارة أوتوكار مغلقة، وكان عدد الراكبين 15سورياً. تم الانطلاق من بودابيست، وعبر النمسا لمدة 5 ساعات، عبر الاتستراد العام. وعند التساؤل: هل أوقفكم أحد؟، أليس هناك حدود أو حرس حدود، جمارك ...الخ، بين المجر والنمسا وألمانيا؟!، كان الجواب المضحك المبكي: "هون أوروبا وليس الوطن العربي".

 ألمانيا

 داخل الحدود الألمانية، أكمل صاحبنا: "نزلنا من الأتوكارومشينا 10كم، بعدها ألقى البوليس الألماني القبض علينا، ورحب بنا، وتم أخذنا للمخفر بعد التفتيش، وهناك اتصلوا بمسؤول اللاجئين في الحكومة الألمانية، وأخذوا جوازات السفر، وقدموا الماء والطعام لنا.

 بعد المخفر نقلنا إلى مركز خاص بفرز اللاجئين، وتم تسليمنا عدة حلاقة ومنامة ومصروف 35 يورو لكل أسبوع، والأكل في مطاعم خاصة باللاجئين مجاني، وفق أوقات محددة بثلاث وجبات، مع العمل على استكمال إجراءات اللجوء من تسجيل وفحص طبي في مخيم "كامب"، صنفه صاحبنا بأنه "ممتاز".

أضاف المصدر: "بقينا في الكامب لمدة شهر، ومن ثم تم فرزي إلى /كولن/ الألمانية، إلى بيت مجهز يوجد فيه 5 سوريين وراتب شهري 325 يورو والأكل علينا".

وما يزال صاحبنا بانتظار استكمال إجراءات اللجوء والإقامة حتى الآن، وما يزال جواز السفر في عهدة البوليس الألماني.

 وصف المصدر التعامل الألماني معهم بـ "الاحترام" ونصح من يفكر بالسفر إلى هناك ألا يتردد.

 بلغت مدة رحلته 10 أيام خلال الشهر 6 من العام 2015،ـ من تركيا إلى المانيا، تكلف خلالها 3500 دولار، بين تنقل وطعام ومصروف شخصي، وهو من المدخنين.

 خلال الرحلة يمكن شراء خطوط هاتف في كل دولة أوروبية، بكل سهولة، بـ 20 يورو، وكأنك تشتري "بسكوتة أو علبة دخان"، ويتم استخدام الانترنت وتحديد المواقع والخرائط في الهواتف النقالة خلال الرحلة. ويفضل الانتقال بمجموعات صغيرة بحدود الـ 10-15 شخصاً عبر الحدود، ويمكن أيضاً تحويل مبالغ مالية عبر مكاتب خاصة تتقاضى 50 دولاراً، أو التحويل إلى كل دولة عبر الـ "ويسترن يونيون"، لتجنب الوقوع ضحية قطاع طرق وغيرهم.

ترك تعليق

التعليق