اقتصاديات.. "البونات" و"المواطن" المستاء


الحديث عن استياء "المواطن" هو من أقل الأحاديث ضرراً وتأثيراً بالنسبة لمسؤولي النظام، ومع ذلك عندما كان يستخدمها أحد الصحفيين، كان يُنظر إليه على أنه هو المستاء..
 
الاستياء يعني أقصى درجات التذمر وأن صاحب هذا الشعور وصل إلى مرحلة "طفحان الكيل"، وأن أية زيادة صغيرة في الضغط فسوف ينتقل إلى مرحلة الفعل والتصرف.. لذلك ظل استخدام هذه العبارة في وسائل إعلام النظام، في حدود الاستياء من سوء تنفيذ بعض مشاريع الصرف الصحي وغلاء بعض السلع أو فقدانها من الأسواق.. أما الاستياء من الوضع العام وبدون تحديد نقاط معينة، فهو كارثة، سوف تستفز أبو جعفر وأبو حيدر المتواجدين في كل مؤسسات الدولة تقريباً..

مؤخراً، استخدمت صحيفة "قاسيون" الموالية للنظام، المحسوبة على معارضة الداخل في الحزب الشيوعي، تعبير استياء "المواطن".. واختارت لهذا الاستياء موضوع فقدان مادة السكر والرز من الأسواق وغلائهما.. وللأمانة قدمت معلومات قيمة عن حاجة السوق المحلية في سوريا من السكر، والتي قدرتها بأكثر من 100 ألف طن سنوياً، بتكلفة 100 مليون دولار.. لكن المشكلة التي وقعت بها الصحيفة أنها ركزت على موضوع سكر ورز "البونات"، الذي دقت لأجله ناقوس الخطر، وتخوفت من أن يكون توقف توزيعهما منذ ستة أشهر، مؤشراً على توقف توزيعهما بشكل نهائي.. لهذا شتمت الحكومة واعتبرتها  بأنها "ماضية في قضم حقوق المواطنين من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود عبر سياساتها الليبرالية منذ عقود، في الوقت الذي يجب عليها أن تشد بأزرهم وتزيد من دعمهم، وخاصة بهذه الظروف التي تمر بها البلاد، ووقوف هؤلاء عزلاً بمقارعة كل ما يحاك للبلد، بدلاً من محاباة أصحاب رؤوس الأموال والتجار والفاسدين ومستغلي الأزمة، الذين يزدادون ثراءً على حساب حقوق المواطن ولقمته وجيبه، وهم وحدهم المسرورون والمؤيدون "للعقلنة" الحكومية، مع أعداء البلد..".

الكلام السابق ليس مفاجئاً لصحيفة تمثل حزب يعتبر البطاقات التموينية، من أهم الإنجازات التي قدمها حافظ أسد، للطبقات الكادحة.. وهو لم يسبق له أن رأى فيها، المدخل الذي استخدمه حافظ أسد لإذلال الشعب السوري وجعله يأكل أسواء المنتجات.. ناهيك عن طوابير الإهانة التي جعلت من موظف المؤسسة الاستهلاكية من الشخصيات القيادية والاجتماعية الهامة في كل بلدة ومنطقة..

مشكلتنا مع هذا النظام، يا أيها الحزب الشيوعي، بدأت كلها مع البطاقات التموينية.. عندما جعل حصول الإنسان على حاجياته الأساسية، من أمن وغذاء، نقيضاً لمفهوم الكرامة والشهامة.. وتحرير الشعب السوري يبدأ فعلياً، عندما يتحرر عقله من "بونات" النظام سابقاً، و"كوبونات" الأمم المتحدة لاحقاً..!!

ترك تعليق

التعليق