في درعا.. حينما يحلم عمار ابن العاشرة بالعودة إلى المدرسة

يحلم عمار ابن العاشرة أن يعود إلى  مدرسته التي تركها العام الماضي، ويلتقي أترابه الذين عايشهم طيلة عام دراسي كامل، لكن حلم عمار يصطدم بواقع مرير، فلم تعد المدرسة موجودة، ولا الأتراب كذلك. فالمدرسة أتى عليها القصف الأسدي، وأصبحت أثراً بعد عين، لا يوجد منها إلا الركام، والأصحاب تناثروا في الآفاق بين قتيل ومصاب ولاجئ.

يقول أحمد، الشاب الثلاثيني، والد عمار، بأن عمار أصيب بحالة نفسية لازالت ترافقه منذ العام الماضي، فهو يصحو ويصرخ ليلاً منادياً صديقه "زيد"، الذي قتلته شظية أثناء قصف قوات الأسد لمدرستهم ببرميلين انفجر إحداهما، وتسبب بمقتل خمسة أطفال من بينهم زيد وثلاثة مدرسين آخرين، والبرميل الآخر لم ينفجر.
 
وأضاف أحمد أنه راجع بفلذة كبده الوحيد، عدداً من الأطباء الموجودين في المنطقة، لكنه لم يشف من مرضه، الذي قال عنه الأطباء بأنه سيشفى مع تقدم العمر، وتجدد الأحداث في ذهنه.

ويشير أحمد إلى أن المواطن في المناطق المحررة من سلطة النظام، لم يعد يشعر لا بالأمن ولا بالأمان، وأن الأمور كلها  أصبحت فوضى، في ظل غياب الرقابة والضمير والمحاسبة، والمواطن واقع  بين فكي كماشة، النظام الذي يقصفه في أي لحظة من جهة، وبعض القوى الموجودة على الأرض والتي تريد فرض قوانينها وشرائعها من جهة أخرى.

بدروه، يخبرنا فارس، معلم مدرسة، أنه لم يعد في بلادنا مستقبل ضامن للطفولة والأطفال، في ظل القصف وحالة الخوف التي يعيشها المواطن، فالأهالي والأطفال فقدوا الرغبة بالتعليم وإرسال أولادهم إلى المدارس خوفاً من أن يستهدفها النظام بطائراته وصواريخه.

 يعتقد فارس أن النشء في المناطق السورية المحررة أصبح في حالة ضياع كامل، بسبب ما يحصل في البلاد من قتل وتدمير وتهجير، لافتاً إلى أن مستقبل الأطفال لم يعد يهم أحداً لأن البلاد في حالة فوضى عارمة، تتنازعها  عشرات السلطات التي تريد كل واحدة منها فرض نفسها بالقوة والإكراه، وعلى المواطن أن ينفذ صاغراً، لأن اللغة الدارجة في بلادنا أصبحت هي لغة السلاح، لمن يعصي الأوامر، والغلبة للأقوى، حسب وصفه.
 
واستطرد فارس بأن المدارس في حالة يرثى لها، فهي مقسمة بين مدمر بشكل كلي أو جزئي، فيما السليمة منها يسكن بعضها  نازحون فارين من مناطق القتال، لافتاً إلى أن الكوادر التعليمية فقدت كل محفزات العمل والرغبة في التدريس، لأن من بقي منهم داخل البلاد أصبح  بلا رواتب وبلا  مكافآت، وهم مشغولون بالبحث عن لقمة الخبز في مهن أخرى، فيما قسم آخر منهم نزح وهاجر إلى بلاد الله الواسعة يبحث عن مستقبل لأولاده  فيها.

وتابع فارس بأن المدارس التي لازالت تحت سلطة النظام وفي مناطقه، ليست أكثر حظاً، فهي أيضاً تعاني من نقص الكوادر التدريسية ومن ضعف الإمكانيات وقلة الكتب والمناهج، لكنها تبقى أفضل من المدارس الواقعة في المناطق المحررة، فهي على الأقل ما زالت سليمة وتقي الطلاب حرارة الشمس وبرد الشتاء، كما قال.

ويشير عزام، وهو أحد المدرسين المشرفين على مدارس تابعة لحكومة النظام، إلى أن مديرية التربية التابعة للنظام تسمح  أنّ تفتح مدارس في المناطق المحررة وغير الخاضعة لسيطرة النظام، وهي موجودة فعلاً، لكن عملها مرهون بأن لا تتدخل الفصائل الثورية المعنية بعملها أو بمناهجها، وهي تقدم الكوادر التعليمية ورواتب شهرية للكوادر، لكنها تخضعها لرقابة صارمة، وغالباً ما يتم اعتقال الكثير من المدرسين مع نهاية كل شهر أثناء استلام الرواتب، والذي يتم حصرياً من مدينة درعا، لذلك يعزف الكثير من المدرسين التابعين لتربية النظام عن العمل في المناطق المحررة، خوفاً من اعتقال النظام لهم على الحواجز.  

ويضيف عزام، "لكن وعلى الرغم من أن المدارس في المناطق المحررة تتبع لمديرية تربية النظام مباشرة, إلا أنها لا تستطيع تأمين مستلزمات العملية التعليمية الضرورية, من مقاعد وطاولات وصيانة الصفوف، والأهم من ذلك أنها لا تستطيع تأمين كل كتب  المنهاج المقررة للصفوف، ودائماً هناك نقص وعدم كفاية".

جمال الصالح، مدير مكتب التربية في مجلس محافظة درعا التابع للمعارضة، أشار إلى مجموعة كبيرة من الصعوبات التي تواجه العملية التربوية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة درعا، والتي تتمثل بعدم توفر مستلزمات العملية التعليمية، والمستقبل الضبابي لطلاب الشهادة الثانوية الذين لم يعترف أحد بشهاداتهم حتى الآن، ولم تقبلهم أية جامعة، وعدم قدرة الطلاب  على الالتزام بالدوام بسبب حركات النزوح بحثاً عن الأمان، وعدم وجود المشتقات النفطية لتدفئة المدارس في الشتاء بسبب عدم وجود إمكانيات مالية لشرائها، يضاف إلى ذلك قيام النظام بفصل عدد كبير من المدرسين واعتقالهم بسبب موقفهم من الثورة، والأهم من ذلك أن وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة لم تستطع أن تقدم ما تحتاجه المدارس بسبب ضعف إمكانياتها.

وحول المناهج التي تعلم في المناطق المحررة وفي مدارس الائتلاف، أشار الصالح, إلى أنها هي ذاتها التي تدرس في مدارس النظام، ولكن مع إدخال بعض التعديلات على المواد والكتب التي تمجد بشار الأسد والنظام، حيث يتم إلغاءها وحذفها.

ودعا الصالح المنظمات الدولية والهيئات والجهات العاملة في مجال التعليم والطفولة، إلى مد يد العون والمساعدة لأطفال سوريا لإنقاذهم من الأمية والضياع، لافتاً إلى أن محافظة درعا احتفلت في العام 2009 بتحرير آخر أمي من أميته بين الكبار، وأن سوريا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال.

وحول التعليم الخاص، أشار صلاح، وهو مدرس سابق وصاحب مدرسة خاصة، إلى أن مدارس التعليم الخاص كانت كثيرة في المحافظة، ولكن هي أيضاً قد طالها الضرر نتيجة القصف الذي قامت به قوات النظام، شأنها شأن المدارس الأخرى، ولم يتبق منها إلا عدد قليل يتوزع في عدة مناطق تشهد حالة من الهدوء النسبي، لافتاً إلى أن الإقبال على هذه المدارس انحسر بشكل كبير بسبب صعوبة التنقل بين المناطق والقرى، وبسبب ارتفاع أقساط هذه المدارس في ظل ظروف اقتصادية متردية جداً يعيشها المواطن السوري بشكل عام، والمواطن في المناطق المحررة بشكل خاص، إضافة إلى الحالة التي وصل إليها المواطن من فقدانه أية آمال في مستقبل العملية التعليمية في الوقت القريب.

يشار إلى أن محافظة درعا التي يبلغ عدد سكانها نحو 1 مليون و 200 ألف نسمة، كانت من المحافظات الجاذبة للاستثمار في مجالات التعليم العالي والخاص, وقد بلغ عدد المدارس فيها في العام 2010 أي قبل انطلاق الثورة /1073/ مدرسة للمراحل الأساسية والثانوية بمختلف فروعها، تتوزع في جميع أرجاء المحافظة، وتستوعب أكثر من 280 ألف طالب وطالبة، هذا عدا مدارس التعليم الخاص، إضافة إلى نحو 5 كليات جامعية حكومية و9 جامعات أهلية خاصة، وعدد من المعاهد المتوسطة، لكن 50 بالمئة تقريباً من هذه المدارس دمر بشكل كلي أو جزئي نتيجة قصف قوات الأسد لها، كما أن التعليم في جميع الجامعات الآنفة الذكر توقف, بسبب العمليات القتالية، لأن معظم هذه الجامعات يقع  بين ريفي درعا الشمالي ودمشق الجنوبي، حيث تتركز هذه العمليات. 

ترك تعليق

التعليق