من عصر "باب الحارة".. مكواة الجمر القديمة تعود للحياة في معضمية الشام


كانت مكواته العاملة على الكهرباء قابعة في زاوية المحل والغبار يعلوها من كل جانب، بينما كان أبو أنس الخياط منهمكاً في العمل بمكواة جديدة ضاربة في القدم، في منظر يعيدنا ربما إلى القرن التاسع عشر.

مشاهد كنا نراها في "باب الحارة"، المسلسل الذي يتحدث عن الحارة الدمشقية منذ قرن؛ تعود اليوم لتتوالى لقطاتها في مدينة  معضمية الشام، وتضفي إلى مجتمع المناطق المحررة طرقاً جديدة - قديمة في آن معاً، كانت لا تستخدمها الجدات، بل جدات الجدات.

أثناء حديثه لـ "اقتصاد"، أوضح أبو أنس (24 عاماً) أن مهنته الأصلية هي الخياطة، أما مهنة كيّ الملابس، فكانت اضطرارية حتمتها ظروف المهنة الأصلية.

ويرش أبو أنس الماء على الثوب الذي يكويه بينما يضيف قائلاً: "كل ثوب أخيطه في حاجة للكيّ حتى يغدو في مظهر لائق، وهذا ما اضطرني لإحياء هذه المهنة المنقرضة في مدينتي".


كيف حصل على مكواة الجمر

ومع تحريكه الرتيب لمكواة الجمر على البنطال الذي خاطه البارحة لأحد الزبائن، قال أبو أنس: "في أحد الأيام قبل عدة أشهر كنت في مدينة داريا ضيفاً لدى أحد أصدقائي، وخلال حديثنا لمحت لديه مكواة قديمة تعمل على الجمر، كنا نراها في مسلسل باب الحارة، فخطرت ببالي هذه الفكرة خصوصاً مع انعدام الكهرباء والوقود من مدينة المعضمية، وعندما طلبتها منه لم يمانع أبداً، وكان ذلك حلاً رائعاً لمشكلتي".

طريقة الاستعمال

وحول طريقة استخدام مكواة الجمر، أوضح أبو أنس أنها سهلة جداً وفاعليتها لا تختلف عن تأثير المكواة الكهربائية التي لم يعد يستعملها أحد في هذه الأيام، وأضاف: "ما عليك إلا أن تضع الجمر داخل المكواة المصنوعة من "الفنط"، وتغلقها ثم تبدأ العمل".

وحتى يحصل على البخار الذي تتطلبه عملية الكيّ يستعمل أبو أنس مرشاً خاصاً ملأه بالماء، فهو يبخ منه على قطعة القماش ثم يمارس عمله الاعتيادي بمكواته القديمة، وهذا ما يوفر له البخار الذي كانت مكواة الكهرباء توفره بضغطة بالإصبع على أحد الأزرار.


 إحياء للمهنة المنقرضة

دائماً يتردد على محل أبو أنس المتواضع زبائن عديدون، يطلب أحدهم خياطة ثوب جديد، بينما يهدف آخرون لتقصير بنطال طويل أو ترقيع ثوب مهترئ.

وبعد استخدامه لمكواة الجمر، صار الكثير من الزبائن يجلبون ثيابهم المتجعدة بعد الغسيل اليدوي لكيّها وإظهارها بالمنظر اللائق والهيئة الجميلة.


أما أبو أنس، فيعمل بوجه باسمٍ وثقة كبيرة، لأنه أحيا مهنة كادت تنقرض في مدينة المعضمية، كما يقول. ويشدد أبو أنس بالقول: "أنا مسرور جداً لذلك، إنني أحب تلك اللحظات التي يأتيني فيها زبون طالباً كيّ ملابسه".

ويختم أبو أنس: "لقد تغلبت بذلك على الحصار".

ترك تعليق

التعليق