الدفاع المدني في درعا.. "خصوصية مترافقة مع الشعور بالرضا عن الذات"


تزامناً مع انطلاق الثورة السورية وتحول النظام إلى استخدام القوة لقمعها، وبسبب غياب الهيئات التي تعنى بشؤون المواطنين في حالات الحرب، ظهرت الحاجة الماسة في جنوب سوريا إلى مؤسسات مدنية تتصدى للمهمات الإنسانية الكبيرة، فكان إنشاء  أول مؤسسة للدفاع المدني  في سوريا، من قبل مجموعة من الشباب، وتحديداً بعد مرور عام ونيف على انطلاقة الثورة السورية.

ويقول عبد الله السرحان، مدير الدفاع المدني بدرعا لـ "اقتصاد": "نشأت منظمة الدفاع المدني في مدينة درعا، وأسسها مجموعة من الشباب المتحمس المتطوع، لتكون مؤسسة بديلة عن مؤسسات النظام الخدمية، التي غابت عن معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة وذلك في نيسان من العام 2012"، لافتاً إلى أن أنشطة منظمة الدفاع المدني تتركز على تقديم الخدمات المختلفة في مناطق النزاع، ومن أهمها تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، وعمليات إخلاء المواطنين خلال القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وعمليات الإنقاذ والإيواء للنازحين، إضافة إلى تقديم خدمات تصليح وترميم مشاريع المياه والكهرباء، ودفن ضحايا القتال من المدنيين، وتجهيز الملاجئ من خلال ورشات تأسست لهذه الغاية.

وأكد السرحان أن "منظمة الدفاع المدني التي تتخذ من مناطق الجنوب السوري مجالاً لممارسة أنشطتها الإنسانية، هي منظمة  مدنية، حيادية مستقلة، لا تخضع ولا تنتمي إلى أي جهة سياسية، أو حزب أو دولة أو منظمة، وهي من منظمات المجتمع المدني المستقلة بامتياز، هدفها الأساسي تقديم الخدمات للمناطق المهمشة بفعل الخطر والمعارك الحربية".

وأضاف أن "إنشاء منظمة للدفاع المدني في درعا، كان نواة لتأسيس الدفاع المدني في العديد من المحافظات السورية الخارجة عن سيطرة النظام"، مشيراً إلى أن الدفاع المدني وحّد جهوده وأسس مؤسسته في سوريا منذ عام ونصف، حيث عقد مؤتمره التأسيسي الأول، وحدد نشاطاته وخطط عمله، وأهدافه وآليات تنفيذها".

واستطرد السرحان موضحاً أن "معظم العاملين في الدفاع المدني في المحافظة، هم من العناصر المنشقة عن مؤسسات الدولة، التي تعمل تحت سلطة النظام، ولاسيما أفواج الإطفاء، والمشافي، إضافة إلى بعض العناصر المتطوعة والتي أُخضعت إلى دورات متقدمة في الأردن للقيام بمهام الدفاع المدني المختلفة"، منوهاً إلى أن نشاطات الدفاع المدني لا تقتصر على تنفيذ وتقديم الخدمات، بل القيام أيضاً بأنشطة توعوية، يستهدف من خلالها النساء والأطفال في مناطق القتال، لشرح آليات التعامل مع مخلفات العمليات القتالية، ولا سيما القنابل العنقودية والقنابل التي لم تنفجر، والحرائق وغيرها من المخاطر المتوقعة أثناء العمليات القتالية وطرق إتباع وسائل السلامة من الأخطار.

محمد أبازيد، وهو من عناصر الإنقاذ في الدفاع المدني، أكد أن "العمل في الدفاع المدني محفوف بالمخاطر، وغالباً ما يتعرض عناصر الدفاع المدني إلى الاستهداف المباشر من قبل قوات النظام بالرغم من أن آلاته ومعداته وكوادره معروفة"، مبيناً  أن الدفاع المدني أنقذ المئات من المواطنين، لكنه خسر الكثير من كوادره بسبب الاستهداف وخاصة بعمليات القنص التي قامت بها قوات النظام منذ بداية الأزمة السورية.

وأضاف أبازيد: "للأسف حدث ذلك بالرغم من أن الدفاع  المدني يقوم بعمل إنساني كبير، وأن الإشارات الدالة عليه واضحة ومعروفة".

ودعا أبازيد إلى ضرورة حماية العاملين في هذا المجال، لأن عملهم يستهدف الإنسان، بغض النظر عن أي انتماء أو دين أو مذهب، كما قال.

من جهته، قال شاكر جوابرة، وهو من عناصر الدفاع المدني، إن "الدفاع المدني كان حاضراً من خلال مراكزه الـ 14 المنتشرة في مناطق درعا، وقدم الكثير من الخدمات للنازحين، من أهمها المشاركة في إقامة المخيمات، وتوزيع المساعدات على النازحين، بالإضافة إلى عمليات الإنقاذ من تحت الركام، وعمليات الإسعاف والإيواء"، مشيراً إلى أن العمل في المجال الإنساني له خصوصية كبيرة مترافقة مع الشعور بالرضا عن الذات، بسبب تقديم الخدمات الإنسانية الضرورية لأناس فقدوا الكثير من مقومات الحياة الطبيعية بسبب الحرب".

الناشطة الإعلامية، سارة الحوراني، المتطوعة في الدفاع المدني، قالت لـ "اقتصاد": "إن الدفاع المدني، وخلال مسيرة عمله، نفذ العديد من الأنشطة وحملات  التوعية للمواطنين"، مبينة أن الدفاع المدني بدرعا استثمر حالة الهدوء الناتجة عن الهدنة ونفذ حملة  توعية تفاعلية، مدتها أربعة أيام، للنساء والأطفال، حول مخلفات الأسلحة والسلامة الشخصية أثناء القصف، شارك فيها عدد كبير من النساء والأطفال من المناطق المحررة في الجنوب السوري.

وأضافت أن "عناصر الدفاع المدني من خلال الحملة، عرفوا الأطفال والنساء بمنظمة الدفاع المدني، وعملها وخدماتها الإنسانية، وآليات التصرف السليم خلال عمليات القصف بالمدفعية والطيران"، مشيرة إلى أن المشاركين من الأطفال والنساء نفّذوا عدة تطبيقات عملية حول المخاطر المتوقعة والمحتملة بنجاح.

الطفل أيهم، 10 سنوات، وهو أحد المشاركين في فعاليات الحملة، قال: "لقد تعلمنا كيفية الاختباء والاستلقاء، عندما تقوم الطائرات برمينا بالصواريخ المتفجرة، سواء كنا في الشارع أو في بناء، فإذا كنت في الشارع أستلقي على بطني وأفتح فمي، وأغلق إذني،  أما لو كنت في بناء، فيجب أن أجلس قرب الأعمدة الخراسانية، لأنها الأقدر على تحمل القصف".  

وأضاف: "لقد قام المدرب بعرض قنابل عنقودية، قال أنها من مخلفات القصف الروسي، وطلب منا عدم الاقتراب منها، أو من أي أجسام غريبة لا نعرفها  لكي لا تنفجر فينا".

يشار إلى أن العمليات العسكرية في الجنوب السوري أدت إلى تدمير مناطق كبيرة، وسوتها بالأرض، وأن هناك كميات كبيرة من القنابل والذخائر لم تنفجر، ولازالت تعتبر في عداد  القنابل الموقوتة، حيث يعمل عناصر الدفاع المدني على تفكيكها، ويدربون الأهالي على طرق الوقاية من أخطارها.

ترك تعليق

التعليق