البورجوازية الدمشقية.. من حكم البعث إلى مجلس الشعب /1 - 2/
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – خاص - اقتصاد --
- 29 آذار 2016 --
- 0 تعليقات
لقد عانى أبناء دمشق تحديداً، وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً، الكثير من التهميش خلال حكم البعث، فهم لم يكن لهم أي دور يذكر في السلطة، لا سياسياً ولا في الجيش.. وحتى على الصعيد الاقتصادي، كان خطاب البعث جارحاً تجاه كل المدنيات والطبقات البرجوازية، والتي كان يعتبرها عميلة للاستعمار وذات مصلحة بالارتباط معه.
أما على المستوى الشعبي، لقد كانت أبسط صفة زرعها البعثيون في نفوس الشعب السوري، أن الدمشقيين، شعب نفعي ويفضل مصلحته الشخصية على أية مصلحة أخرى.. وهم ليس عندهم قيم وطنية، ولا يُؤتمنون على البلد، وإذا ما تولوا السلطة، فإنهم سيسلمونها لإسرائيل وأمريكا..!!
ومع ذلك، استطاع أبناء دمشق أن يتعايشوا مع هذا الواقع ومع هذا الخطاب، في ظل عدوانية كانت متنامية، من كل أبناء الشعب السوري تقريباً، الذين تأثروا بخطاب الطبقة الحاكمة: بأن الدمشقيين ليسوا من أبناء البلد، وحتى ليسوا عرباً، وإنما هم شعب هجين من مخلفات الغزوات والاحتلالات التي كانت تتعرض لها المدينة في القرون السابقة..!!
وللحقيقة يمكن القول، أن الدمشقيين ارتضوا كل هذا التهميش مقابل عدم التعرض لشيء واحد، وهو طقوسهم وحياتهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية.. لقد فضلوا العيش بعزلة ضمن هذه الطقوس على الانخراط بوساخات السلطة حسب وجهة نظرهم.. لكنهم من جهة ثانية، استطاعوا أن يعيدوا بناء طبقة جديدة من الدمشقيين، من رجال الدين والأعمال، أكثر انفتاحاً واستعداداً للتعامل مع السلطة.. وفي هذا المجال يثور في داخلنا تساؤل: كيف ارتضى الدمشقيون بعد كل هذا التهميش والعدوانية من السلطة، بأن يقبلوا بأدوار هامشية في مجلس الشعب، بل ويتسابقون إليها..؟!، ولماذا لم يطالبوا بأدوار سياسية أكبر.. كما المدينة الشقيقة لهم حلب، والتي تحمل تقريباً نفس المواصفات المجتمعية والثقافية، إلا أن أبنائها حاولوا أن يجاملوا السلطة في سبيل الوصول إلى مواقع سياسية وفي الجيش..؟!
قد يجد البعض أن الإجابة على هذا السؤال بسيطة جداً، مرتكناً على وجهة نظر البعثيين المسبقة عن الدمشقيين، بأن ذلك جزء من الصفة التي يحملونها بأنهم يسعون وراء مصالحهم الاقتصادية والشخصية، على حساب أية مصلحة وطنية أو حتى دينية.. وحتى أن موقف الدمشقيين ورجالات أعمالهم بعد انطلاق الثورة السورية يعزز هذه النظرة..!!
غير أن الأمر مختلف تماماً عن وجهة النظر هذه.. ويجب ألا يتصور أحد، أن جيل السياسيين العريق، الذين بنوا سوريا خلال الخمسين عاماً السابقة على سلطة البعث، يمكن للدمشقيين أن يتجاهلوه أو ينسوه، أو لا يحرك بداخلهم النوازع نحو الاستئثار بالسلطة مرة أخرى.. وليس صحيحاً ما توصل إليه أحد الباحثين، من أن الدمشقيين، حتى عندما كانوا على رأس السلطة قبل البعث، لم يكن لديهم من طموحات سوى الحفاظ على ثقافتهم الدينية والتجارية، وبأن حافظ الأسد فهم هذا الأمر وتجنب منافستهم من خلال منحهم ما يريدون..
قد يكون الكلام السابق فيه شيء من الحقيقة، إلا أنه لا يتضمن الحقيقة كاملة.. بل إن الأمر أعمق من ذلك بكثير.. وهذا يتطلب منا فهم العشرين سنة الأخيرة من سلطة الأسد، وكيف أن الدمشقيين انتقلوا من مواقع متأخرة في السلطة، إلى مواقع مؤثرة تماماً في الحياة السياسية والاقتصادية في البلد.. وبعيداً عن العشائرية السياسة التي حاول باقي أبناء الشعب السوري استثمارها للقول بأنهم يشاركون في السلطة والحكم.. بينما على أرض الواقع كانوا بيادق بأيدي السلطة وتستخدمهم لتحريك العداوات بين أبناء مدنهم بالدرجة الأولى وباقي فئات الشعب السوري بالدرجة الثانية.. هل يستطيع أحد أن يخبرنا، من هو الشخص من رجالات السلطة من غير العلويين، كان يحظى برضى أهل مدينته عنه ويعتبره ممثلاً عنهم..؟، من خلال هذه الصورة، نستطيع أن نسأل: هل كان الدمشقيون ورجالات أعمالهم ودينهم، ضمن هذا التصور بالنسبة للشعب السوري..؟
إذاً، ما الذي كان يرمي إليه الدمشقيون من هذا التفاهم مع السلطة فيما يخص جانبين فقط، الديني والاقتصادي.. وهل كانوا بالفعل يخططون للعودة إلى السلطة من جديد..؟
الإجابة على هذا السؤال، يمكن أن نعتبرها متضمنة في الخمس سنوات الأخيرة، وهي عمر الثورة السورية.. فهي أفرزت مفاهيم جديدة فيما يخص الدمشقيين، أوضحت موقعهم وموقفهم مما يجري في سوريا.. ويمكننا القول أنه حدث ما يشبه الانشقاق الناعم، بين سلطة رجال الدين وسلطة رجال الأعمال، لكنه انشقاق لم يتحول إلى عداوة، كما باقي المدن السورية.. بل ظل الاحترام هو سيد الموقف..
وكخاتمة لهذا الجزء من المقال، نود التوضيح أننا نحاول في هذه السلسلة من أثرياء سوريا، وموقفهم من الثورة السورية، أن نكون موضوعيين وبعيدين عن التعبئة السياسية والثورية، لأننا نود أن نضع بعض النقاط على الحروف، انطلاقاً من فهم أعمق للواقع السوري، منطلقين من تساؤل: لماذا حدث ما حدث..؟
وسوف نحاول في الجزء الثاني من المقال الإجابة على الكثير من التساؤلات التي تخص البرجوازية الدمشقية وطبقة رجال الأعمال المرتبطين مع السلطة، والتي يعتقد كثير من أبناء الشعب السوري، المنتمين إلى الثورة، أنهم يتحملون المسؤلية الكبيرة في إطالة عمر النظام ومده بالوقود اللازم لقتل الشعب السوري.. فهل هذا الكلام صحيح..؟
إلى الجزء الثاني من المقال..
التعليق