"فارس الشهابي" كنموذج للسني المؤيد - الجزء الثاني


لم يكن اختياري لفارس الشهابي كنموذج للسني المؤيد، مرتبطاً فقط بمواقفه المعلنة والمؤيدة للنظام بطريقة مبتذلة ودنيئة، وفي الواقع أنا لم أجد أية أهمية للكتابة بشأن هذا الشخص لما كنت أعرف عنه من السطحية والجنوح والفشل، لولا قيام أكثر من شخص مقرب منه بإقناعي بأن هذا الفتى الآبق مهم بالنسبة للنظام وغيره، وأنه ثمة دور يلعبه يجب أن يلقى الضوء عليه.

في الواقع ومن خلال التعرف على تفاصيل حياة وشخصية "فارس الشهابي" لاحظت تمتعه بميزة خاصة ونادرة متمثلة بوجود تكامل فريد في سوئه وسلبيته، سواء بين سلوكه الخاص والعام، أو بين حياته التعليمية وحياته المهنية، وأخيراً بين مواقفه العامة والسياسية، والتي تشكل بمجموعها قالباً قياسياً مطابقاً للمواصفات الأساسية التي ظل النظام "يقولب" كل من يختارهم من الطائفة المحكومة لمساعدته في "تركيعها" وشل قدرتها على النهوض من جديد.

•    " فارس" الطالب الفاشل

بشق الأنفس وبكثير من المعالجات الخاصة لحالته الذهنية، تمكن فارس من اجتياز الثانوية العامة والدخول إلى كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية في جامعة حلب، ولكنه فشل في تحصيله العلمي على مدى عامين، فأرسله والده إلى قريبه (حازم حكمت الشهابي) في الولايات المتحدة، والذي أدخله ثم أخوته في جامعة محلية تتبع هيئة غير مشهورة في ولاية (أوهايو) الأمريكية، ولا تخضع للمعايير الاتحادية في التعليم الجامعي الأمريكي.

وبشق أقوى وأطول وأكثر تكلفة عما كان عليه في حلب، نال "فارس" شهادة البكالوريوس في الهندسة الصناعية بخمس سنوات بدل ثلاث، مُدلِّساً إلى يومنا هذا على محيطه بأنه (مهندس) رغم أن (الهندسة الصناعية) في الولايات المتحدة هي هندسة إدارة وهي في الواقع تخصص إداري وليست هندسة، وتعتبر من تخصصات كلية التجارة ولا تمت للهندسة بأي صلة.

 وبعناء شديد تابع "فارس" مشواره "المارثوني" في جامعته بنيل شهادة ماجستير بسنتين بدل ستة أشهر، وفق نظام التعليم المحلي لهذه الشهادة.

•    " فارس" الفتى الجانح

لم يصبر عليه والده (أحمد) كثيراً بعد قدومه من الولايات المتحدة الأمريكية، فأعاد كرَّة التخلص منه فأرسله إلى (دبي)، مُحمِّلاً إياه ثم محولاً إليه الأموال الطائلة، والتي صرفها على جنوحه الذي أدمن عليه في (أوهايو) الأمريكية.

 صرف الملايين بوقت أقصر من المتوقع، ودون طائل من أي عمل تجاري حاول أن يمارسه.

ولوقف النزيف المالي الذي تسبب به أعاده والده إلى حلب من جديد، ووضعه في معمل الأدوية الأشهر (ألفا)، ليكون رأس حربته "المسمومة" في مواجهة شركائه و"سكرتيراتهم".
 
•    "فارس" الموظف النذل
 
كان فارس يتصرف في الشركة "كابن المعلم"، ويثير المشكلات في سيرورة العمل، مما أثار حنق شركاء والده، فلجأ للتغطية على ذلك إلى أداة تتناسب وقيمه الشخصية، فهو يعرف أهمية "السكرتيرة" في حياة رجل الأعمال الحلبي، فهي الدجاجة التي ترعاه في مزبلته كديك لا ينافسه عليها أو يقترب منها أحد، فافتعل "فارس" مشكلة مع سكرتيرة شريك والده (سنيح غزال) وطلب منه طردها من العمل، فطالب (سنيح) وهو الخبير الذي نهضت شركة (ألفا) على كتفيه، بتطبيق "مبدأ المعاملة بالمثل" بطرد سكرتيرة والده (أحمد الشهابي)، ليُشعل "فارس" حرب "بسابيس" بين الرجلين، انتهت بقيام (سنيح) ببيع حصته البالغة (37.5%) لأحمد الشهابي، وليلحق به كل من (جورج أنطاكي) و(إدوار مكربنة) ببيع حصتهما: (15%) و(10%) على التوالي لأحمد الشهابي تضامناً مع (سنيح)، ليقوم (أحمد الشهابي) بدفع مبلغ (مليار ومئتا مليون ليرة سورية) ثمناً لـ(62.5%) التي كانوا يملكونها، فيغدو مالكاً للشركة برمتها، كان ذلك في عام /2006/.

•    " فارس" الوطنجي الفاسد

ورداً على التضامن بين شركاء أبيه السابقين والحِمل الثقيل على آل (أحمد الشهابي) الذي أدى إليه انسحاب شركائهم من الشركة، قام "فارس" بالادعاء عليهم أمام الأوساط التجارية والأمنية بأنهم يريدون التحضير لإلغاء استثماراتهم في سوريا، والسير في ركب المعارضة ضد النظام، ولا سيما إبان حرب تموز/2006، وانشقاق (عبد الحليم خدام) بعد ذلك بأشهر.

وكان يفتخر أمام هذه الأوساط بدور شركة (ألفا) الدوائية في السوق المحلية، ونسبة مساهمتها فيها، ممارساً تدليساً من نوع آخر، حيث كان يستورد المواد الأولية الرخيصة من (الهند) محققاً من تصنيعها وبيعها أرباحاً قد تصل إلى ثلاثين ضعفاً؛ ومكافأة له على هذه الجهود "الوطنجية" وبأموال "الفساد والتدليس" قام بالاستيلاء على كرسي رئيس غرفة صناعة حلب بتدخل أمني مباشر.

الادعاءات الخطيرة لـ"فارس" جعلت (سنيح غزال) يتتبع سلوكه وطريقة إدارته للشركة الدوائية على مدى السنوات التالية، والتي ما إن نشبت الأزمة وبدأ الدولار في الارتفاع، حتى أخذت تعتمد على تصدير الأدوية التي تقوم بتصنيعها بدل بيعها في السوق المحلية، الذي كان يفخر به فارس، ضارباً بالوطن ومصلحة المواطن عرض الحائط بمجرد وجود "فرق عملة" كما يقولون، وذلك للمحافظة على مستويات الربح التي كانت تحققها الشركة، باعتبار أن التصدير كان بالدولار الأمريكي، ولم يعد البيع في السوق السورية يحقق الأرباح السابقة لأنه بالليرة السورية وبالأسعار المحددة.

ومع ازدياد حدة لهجته "الوطنجية" كان "فارس" يزداد فساداً، فانتقل لاستغلال مخصصات إحدى المواد المستخدمة في تصنيع الأدوية ومقدراها /30/ طناً، والمستخدمة في الوقت نفسه في تصنيع حبوب (الكبتاجون)، وبدأ يبيعها سراً لحمص، لصالح أشخاص يتوفر لديهم (مكابس لحبوب الكبتاجون)، محققاً أرباحاً طائلة، حيث كان يبيع الطن من هذه المادة والذي تكلفته (25) ألف دولار بسعر يصل إلى (625) ألف دولار، محققاً ربحاً سنوياً مقداره (18) مليون دولار.

(سنيح غزال) كان متتبعاً للسوق ومنتجات (ألفا)، وعرف بأن هذه المادة لم يتم تشغيلها، فأرسل المعلومات حول ذلك إلى وزارة الصحة بتقرير مرفق بالأدلة، والتي أصدرت قراراً بحرمان الشركة من مخصصات تلك المادة، وقد تزامن ذلك مع إلقاء الأمن السوري على سيارة تحمل (الكبتاجون) عائدة إلى شركة يملكها (باسل عبد الكريم السيد)، حيث تأكد تورط "فارس" بالملف بصورة قاطعة.

•    "فارس" ومواصفات "السني" المرغوب لدى النظام

بوجود نظام كنظام بشار، فإن ثبوت فساد "فارس الشهابي"، كان نقطة انعطاف مهمة في صعوده نحو القمة، فملف الفساد الذي وصل لبشار الأسد عن "فارس" كان مُنتظراً لترفيعه وزيادة أسهمه وحسم الموقف لصالحه في ظل التنافس المحموم في حلب على كرسي "زلمة الرئيس"، وجاء دور (أحمد حسون) هنا بإدخال "فارس" إلى "بشار"، الذي أمده بكل أواصر القوة والتمكين في حلب مانحاً لاسمه بعداً وطنياً بعد الاستيلاء على كرسي رئيس غرف الصناعة السورية، فـ "فارس الشهابي" قد أصبح مطابقاً تماماً لكل المواصفات القياسية التي تؤهله لكي يكون في حلب "فارس بشار الأسد"، فهو السني الفاشل الجانح النذل، والوطنجي الفاسد والمرشح أخيراً وبقوة ليكون عضواً بارزاً في مجلس السنة الكبيسة /2016/، مجلس الإجماع والتصفيق.

ترك تعليق

التعليق