مسرحية الخلاف بين الحكومة ومجلس الشعب.. وبصمات نجدت أنزور الإخراجية

المراقب لمشهد الخلاف القائم بين حكومة النظام ومجلس شعبه حول قرار الأولى رفع أسعار المحرقات بنسبة 40 بالمئة، لا يخاله شك بأننا أمام مشهد مسرحي هزلي وتراجيدي وفانتازي بنفس الوقت.. فلم يسبق في تاريخ سوريا الأسدي أن تراجع النظام عن قرار برفع الأسعار، كذلك لم يسبق في تاريخها أن استطاع مجلس الشعب إسقاط قرار من هذا النوع أو حتى الاعتراض عليه.. فلماذا يصر النظام على تقديم هذا المشهد المسرحي على الرغم من أن نتيجته محسومة ومعروفة للجميع..؟!

ثمة أحداث لا يمكن تجاهلها ونحن نتناول هذه القضية.. وهو أن النظام اختار مؤخراً مجلس شعب جديد، بمواصفات، رأى فيها مراقبون أنها طارئة على المشهد في سوريا، من خلال تعيين امرأة على رأس المجلس ومخرج تلفزيون نائباً لها..  

كذلك من مزايا هذا المشهد، أن النظام حاول أن يصور مجلس الشعب الجديد على أنه بداية لمرحلة مختلفة من الإصلاح ومحاربة الفساد.. كما روج إلى أنه سيختار حكومة جديدة تهتم أكثر بشؤون "المواطنين" المعيشية..

وأما عن علاقة هذا بذاك، فقد أراد النظام أن ينهي مسيرة الحكومة الحالية، من خلال تصويرها على أنها كانت السبب الحقيقي وراء تدهور حياة الناس المعيشية، وها هو مجلس الشعب الجديد سوف يحاسبها ولن يدعها تغادر دون مساءلة..!!  

الجاهل والأمي في سوريا يعلم أن الحكومة لا يمكن أن تتخد قراراتها من رأسها، وخصوصاً قرار على مستوى رفع أسعار المحروقات إلى هذا المستوى القياسي.. أيضاً الجاهل والأمي يعلم كذلك أن مجلس الشعب لا يتصرف من وحي ضميره أو من إحساسه بآلام الناس، وإنما ينفذ ما هو مرسوم ومخطط له.. وإثارة فكرة أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وبالتالي لا يحق لها أن تتخذ هكذا قرارات، هي فكرة شيطانية يسعى النظام من خلالها أن يبين أن الحياة الدستورية في سوريا التي تضيق عليه، هي في أوج ازدهارها..

إنه باختصار يريد أن يشغل الناس والإعلام بقضايا جانبية تلهيهم عن المصيبة الأساسية.. فمجلس الشعب الذي دعا لاستجواب الفريق الاقتصادي في الحكومة سوف يلجأ في الخطوة التالية إلى اللجنة القانونية، والتي ستلجأ بدورها إلى طلب الاستشارة من أهل الاختصاص.. بينما أعلن نقيب محامين سوريا، نزار سكيف، أن تصرف الحكومة دستوري مئة بالمئة..

إذاً، المشهد منتهي من حيث الشكل، ولكن ما يجري حالياً، هو على ما يبدو رتوش نجدة أنزور الإخراجية..  من المظاهرة أو الاعتصام الهزلي الذي جرى أمام مجلس الشعب إلى دعوة الحكومة للاستجواب.. إلى السماح لوسائل الإعلام أن تشن حملة على قرار الحكومة وتعلق الآمال على مجلس الشعب بإسقاط القرار أو التخفيف منه..
 
لذلك وبحسب توقعاتنا، قد "ينجح" مجلس الشعب، وفق الرؤية الإخراجية لنجدة أنزور، بدفع الحكومة للتخفيف من حدة القرار، عبر تغيير نسب ارتفاع أسعار المحروقات، من 40 بالمئة إلى 30 بالمئة مثلاً.. وبذلك تكون المسرحية قد انتهت نهاية سعيدة ترضي الجميع، بمن فيهم من وقع القرار عليهم ويتحملون تبعاته.. وأيضاً هناك احتمال أن لا تتراجع الحكومة ويستمر القرار.. وفي هذه الحالة فإننا نكون أمام نهاية إخراجية غير متوقعة ولا يعلم تفاصيلها إلا نجدة أنزور ذاته، الذي عودنا بأعماله الدرامية على هكذا مفاجئات..

 فما هي يا ترى..؟، نرجو ألا يكون ذلك الحلقة الأولى من سلسلة الفانتازيا التي بدأها بالجوارح ولم تنتهي بالكواسر..!!

 

ترك تعليق

التعليق