حكومة خميس على ألحان طائفية الأسد


 بصرف النظر عن المحدد اﻷساسي الذي ظل يشكل معيار اختيار رئيس مجلس الوزراء، في ظل نظام الأسدين، منذ أن ابتعد (حافظ) بهذا المنصب عن الدمشقيين بداية ثمانينيات القرن الماضي، المحدد المتمثل بضرورة أن يكون الشخص الذي يتم اختياره شخصاً غير كاريزمي وأحياناً كاريكاتوري، فإن اختيار صاحب رأس مسقطه دمشق هو (عماد خميس) شكل اختراقاً ما، ولكننا لا نعرف بدقة فيما إذا كان هذا الاختراق نوعي أو أنه مجرد اختيار تم ضمن المحدد الموضح آنفاً.

 وعلى كل، فإن اختيار وزير كهرباء في بلد مثل سوريا بوضعها الراهن، وبما عانته وتعانيه من هذا القطاع الخدمي الحيوي ليس بضراوة مجريات تاريخية سابقة، كما جرى في ذروة الصراع المسلح مع إسرائيل، عندما قفز وزير الدفاع وقائد القوى الجوية اللواء (حافظ اﻷسد) بعد هزيمة حزيران رتبتين عسكريتين، ليصبح أول فريق سوري ثم أول رئيس لهذا البلد يملك رأساً كبيرة مسقطها منطقة علوية معزولة وصغيرة اسمها (القرداحة).

 على كل، وأمام شغور عملي لمنصب نائب الرئيس، فإن (عماد خميس) هو اﻵن الممثل السيادي اﻷعلى للموالين من الطائفة الموسومة بالسنية، وقد بذل دمشقيون نافذون ضغوطاً كبيرة عبر قنوات مهمة، ومنها (موسكو) و(الحزب) لإيصاله إلى هذا المنصب، في مواجهة الطموحات الشرسة التي كان يسعى البعض لتحقيقها بخصوص (فارس الشهابي).

 فيما عدا هذا الاختيار، الذي أعتقد أنه سيكون مهماً ضمن ظروف وترتيبات معينة، لم يثر الاهتمام أمر آخر سوى نقل (أديب ميالة) من حاكم لمصرف سورية المركزي إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، في اعتراف رسمي بقرب تنسيقه بطريقة مناسبة، فهذه الوزارة أصبحت خلال السنوات الخمس الماضية أشبه بشقة نهاية الخدمة مدفوعة اﻹيجار لمدة عام، وقد مر عليها خلال هذه الفترة خمسة، سادسهم (ميالة).

 وإذا ما كان أصبح ضرورياً بالنسبة للنظام تطبيع علاقته في الوسط الدمشقي اقتصادياً وسياسياً، بتعيين دمشقي آخر كوزير للمالية هو (مأمون حمدان)، فإنه لم يجعل ذلك على حساب الوفاء لخدمه أو على حساب وجود أصحاب رؤوس علوية في مفاصل الدولة، وبناء عليه تم استرداد (دريد درغام) من سلة الاحتياط، والذي كان معزولاً في مسقط رأسه، فيما يشبه المنفى ريثما تسقط بالتقادم (وفق المعايير اﻷسدية) كل دعاوي اﻹهمال والفساد التي اعترت المصرف التجاري السوري في عهده، من هروب كبار المقترضين الذين كان يكفلهم ويشاركهم قروضهم، ثم سرقات وفرار العديد من مسؤولي خزائن فروعه في مختلف المحافظات، وصولاً إلى صرف النفوذ والمتاجرة بمقدرات الدولة.

وهكذا تكون النوطة اﻷسدية قد لحنت بالكامل في حفلة تشكيل حكومة خميس، وطغى عليها طبل سطوته الطائفية مقابل اختلاطات صوتية مبهمة تعبر عن الحالة السنية الموالية.

 نوطة تمكنت من تحويل اﻷنظار من أغاني ضرورات المحاسبة والتغيير إلى نشاذ جدل التعيينات وزعيق منح الفرص، وصولاً لكسب الوقت في مسرحية مأساوية تزداد حساسية وتراجيدية ضمن التغيرات اﻹستراتيجية المزمعة في علاقات اﻷطراف اﻹقليمية والدولية الفاعلة في الميدان السوري القاني.

ترك تعليق

التعليق