تركيا.. الاقتصاد ينتصر على السياسة

تصادف وجودي في اسطنبول في العام 2014 مع فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية على باقي منافسيه من الأحزاب الأخرى..

 كان مرافقي، وهو سوري يتقن التركية، يحاول أن يفتح حواراً مع كل الأتراك الذين كنا نلتقيهم في تجوالنا، بدءاً من شوفير التكسي وانتهاء بأصحاب المحال الذين كنا نتسوق منهم..
 
وما لفت انتباهي أن الجميع أعلن عن كرهه لأردوغان بحسب ما كان يترجم لي صديقي الأردوغاني الانتماء، لكنهم بنفس الوقت قالوا أنهم انتخبوا حزبه..

 هذا التناقض في المشاعر تجاه نفس الشخص، لا يمكن أن تشاهده سوى في تركيا، كما أنك لا يمكن أن تفهمه إلا إذا نظرت إلى الـ 13 سنة الأخيرة من تاريخ هذا البلد..

لم يعد الحديث عن الانجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية لتركيا خافياً على أحد وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي وهو الأهم..

 وكل من يقول أن المواطنين الأتراك نزلوا بالأمس إلى الشوارع دفاعاً عن الديمقراطية ورفضاً لحكم العسكر، لأسباب سياسية، هو واهم، وإنما الأصح أنهم نزلوا دفاعاً عن حياتهم المعاشية والاقتصادية التي انقلبت جذرياً نحو الأفضل منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2003.

شهد الاقتصاد التركي خلال أول عشر سنوات من وصول العدالة والتنمية للحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 قفزة نوعية، إذ استطاع الحزب إنقاذ البلاد من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية، وذلك بعد انهيار الليرة التركية بنسبة 100% وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، حيث وصل إلى 70% وأفلست على إثرها نصف البنوك التركية، ووصلت معدلات البطالة مستويات خرافية.

ومنذ انتخاب حكومة العدالة والتنمية، التزمت بتنفيذ الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي عام 2001، والذي أجبرها على اتخاذ سياسات تقشفية صارمة، وإجراء إصلاحات هيكلية طالت عدداً من القطاعات كان أهمها القطاع المصرفي، حيث تم تعويم سعر الليرة التركية، ورفع القيود المفروضة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، وشددت على الانضباط المالي، ورفعت استقلالية البنك المركزي.

 وتمكنت حكومة حزب العدالة والتنمية، عبر هذه الإجراءات خلال أقل من أربع سنوات؛ أي عام 2006 من خفض نسبة التضخم ومعدلات الفائدة إلى أقل من 10%، لينتعش الاقتصاد، وتصل نسبة النمو بين عامي 2002 و2006 إلى 7%، مترافقاً مع تدفق كبير للاستثمارات الخارجية..
 
أما بالنسبة لأرقام الاقتصاد التركي، فهي تتحدث عن نفسها منذ تولي أردوغان للسلطة، حيث أصبحت تركيا مقصداً للاستثمارات المباشرة، والتي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ العام 2003.

وفي عهد أردوغان تمكنت تركيا من الوصول إلى المرتبة الـ 16 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم بعد أن كانت في المرتبة 111، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، حيث أظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار في هذه الفترة أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل العام 2003.
 
وعندما تسلم أردوغان الحكم كان متوسط دخل الفرد السنوي في تركيا 3.5 ألف دولار، بينما أصبح الآن 10.5 ألف دولار.

كما برزت تركيا خلال العقد الماضي بحجم الصادرات الهائل والمتنامي، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى وصول قيمة الصادرات التركية إلى 153 مليار دولار بعد أن كانت قبل العام 2003 لا تتجاوز الـ 18 مليار دولار، أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة.

بقي أن نشير أنه في العام 2023 يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يد المؤسس كمال الدين أتاتورك، وهو التاريخ ذاته الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع وتطوير لمرافق وبنى تحتية جديدة، في مقدمتها مطار جديد سيكلف مليارات الدولارات في اسطنبول، وجسور وقنوات مائية.

ألا تستحق هذه الانجازات أن ينزل المواطن التركي إلى الشارع ويواجه بيديه العاريتين دبابة الإنقلاب..؟!

ترك تعليق

التعليق