أفكار في سبيل خدمة السوريين


 الاعتراف بالواقع وبالطبيعة المعقدة للخريطة السورية العسكرية، يشكل مدخلاً مناسباً لطرح عناوين كبيرة في السعي للوصول للسوريين الذين ما زالوا متمسكين بالبقاء في أرض الوطن؛ هذا الوصول سيكون خدمياً لتقديم رافد اقتصادي لهم سواء عبر الدعم المباشر أو غير المباشر وبواسطة اﻷجسام والهياكل المدنية اﻷهلية بغض النظر عن السيطرات العسكرية المختلفة على اﻷرض السورية، أو بعلاقة أدبية وذات قيمة استشارية مبنية على الثقة والمصداقية مع السوريين أينما كانوا.

 إن الاعتراف بالواقع السوري لا يعني تلوناً ومصلحية مكشوفة ومساع مبتذلة لإثبات الذات، بقدر ما يشكل دافعاً لحيادية عملياتية بعيدة عن التسييس المجاني للواقع الخدمي وللحياة الاقتصادية بشكل عام، والذي دفع الشعب السوري نتيجة له أثماناً باهظة، واستغله النظام في توفير موارده المالية في خدمات وواجبات اجتماعية واقتصادية كان يجب الاستمرار بالمطالبة بها والضغط عليه للقيام بما يجب بشأنها سواء بالوسائل العسكرية الداخلية، أو باﻷدوات وعبر القنوات السياسية واﻹنسانية التي امتلكتها المعارضة والقوى الثورية في علاقاتها مع اﻷطراف اﻹقليمية والدولية بشخصياتها الاعتبارية المتنوعة من أشخاص طبيعين (المبعوثين الدوليين مثلاً) أو عبر المنظمات الدولية والدول ذات الاهتمام والتأثير في الملف السوري.

مع اﻷسف لم يتم العمل وفق هذه الواقعية والحيادية، وتمكن النظام من جر الشعب السوري ومعارضته وقواه الثورية لكل المعارك التي تمكن خلالها من تغطية وتبرير استخدام قوته العسكرية الدموية المفروضة والتخفيف من اﻷعباء المالية الواجبة عليه، بينما ظل يمثل الدولة السورية في المحافل الدولية ويتمتع بالمزايا الجمة والمهمة لذلك.

من جهة أخرى لم تتمكن القوى الثورية من تحقيق بناء سياسي عسكري وإداري موحد في مناطق سيطراتهم العسكرية، كما هو عليه الحال بالنسبة للنظام والتنظيم والحزب الكردي.

كما تسود في المناطق المحررة أجواء ورايات متعددة تشكل مظهراً واضحاً للانقسام وتزعزع الثقة وخلق مخاوف الاقتتال من جديد بين رفقاء الجبهات وأخوة السلاح، مما يعني وجود حاجة ماسة لجسم توافقي حيادي يكون على مسافة واحدة قولاً وفعلاً فيما بينها، وملجأ لها في تأمين مظلة سياسية واحدة في مواجهة القوى المعادية، واﻷهم جسماً خدمياً مقبولاً للإشراف على تأمين الاحتياجات المعيشية للمواطن القاطن في تلك المناطق، أو على اﻷقل الكشف عن تلك الاحتياجات وتوجيه بوصلة العمل اﻹنساني والمنظمات باتجاهات صحيحة وبطريقة سليمة.

ما سبق يشكل الحد اﻷدنى المطلوب، أما الاختراق الحقيقي فهو الخاص بالمواطن السوري الرازح تحت نير النظام، أو ذاك القاطن أو النازح في مناطق سيطرة تنظيم الدولة والحزب الكردي، حيث لابد لهذا الجسم السياسي الحيادي من مد أواصر علاقة سهلة ممتنعة باتجاه السوريين هناك، علاقة قائمة على محاولة جادة لكسب ثقتهم بأدوات فكرية تبتعد عن الاصطفاف اﻹعلامي القائم على أجندات أجنبية مدفوعة الثمن تم ويتم تعريتها، أو عبر الواقعية والحيادية التي تحدثنا عنها في مقدمة هذا المقام والتي تفرضها قواعد اللعبة السياسية بتشجيع ودعم ممثليات مدنية عنهم والتعامل معها في سبيل تحقيق هدف استراتيجي متمثل بجعل حياة كل السوريين على أرضهم أقل صعوبة وأكثر قدرة على الصمود، وزرع اﻷمل باستعادة مستقبل سوري هادئ مستقر وقابل للنماء من جديد.

ترك تعليق

التعليق