نحو لوبي سوريّ عابر للحدود


سمعنا كثيراً، كسوريين، عن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية. كما سمعنا كذلك، عن جماعات ضغط مماثلة لليهود في مختلف دول الغرب. وكذلك، سمعنا بلا شك، عن اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، وهو ثاني أقوى مجموعة ضغط عرقية في أمريكا، بعد اللوبي اليهودي. وللأرمن، كنظرائهم اليهود، جماعات ضغط عديدة في أبرز الدول الأوروبية.

عبر جماعات الضغط تلك، تمكن كل من اليهود والأرمن، من تحقيق العديد من مصالح شعوبهم، سواء تلك المتواجدة في البلدان التي تنشط فيها جماعات الضغط، أو حتى خارجها.

فاليهود في أمريكا خدموا إسرائيل كثيراً عبر نفوذهم المؤثر في صنع القرار بواشنطن لصالح هذا الكيان في الشرق الأوسط. وكذلك فعل أقرانهم في مختلف الدول الأوروبية التي يصولون فيها ويجولون بقوة، في أروقة صنع القرار.

وكذلك فعل الأرمن، سواء المتواجدون في أمريكا، أو في دول أوروبية، تمكنوا من انتزاع اعتراف العديد منها بما يسمى بـ "الإباد الأرمنية"، التي حدثت منذ ما يقارب القرن من الزمان.

وقد ساهمت جماعات الضغط الأرمنية بنجاح في الإضرار بمصالح تركيا وكذلك أذربيجان، بسبب اتهام الأولى بـ "الإبادة الأرمنية"، وصراع الثانية المسلح، تاريخياً، مع دولة "أرمينيا". حيث تمكن اللوبي الأرمني في أمريكا ودول أوروبية عدة، من الضغط على مفاصل صنع القرار في تلك الدول، والتأثير على سياستها الخارجية بهذا الخصوص.

كما حصلت إسرائيل، وكذلك أرمينيا، على الكثير من الدعم المالي والسياسي، وأحياناً العسكري، من الولايات المتحدة، ودول أوروبية عدة، بضغط من اللوبي اليهودي ونظيره الأرمني.

حكاية جماعتي الضغط هاتين، تناسب الوضع السوري الراهن. حيث الشتات السوري في مختلف دول الجوار، وفي الكثير من الدول الأوروبية، ناهيك عن المغتربين السوريين القدامى في الولايات المتحدة وباقي دول الغرب، يشابهون في كثير من الجوانب، تجارب الشتات اليهودي، وكذلك الأرمني.

ووسط مأساة بلدهم، التي طال أمدها، وما يزال، يبدو أن السوريين في حاجة ماسة ليشكلوا، حيث يتواجدون، جماعات ضغط، تعمل لصالح خدمة المجموع السوري، سواء في البلد الذي يتواجدون فيه، أو على صعيد خدمة قضايا بلدهم الأم، عبر التأثير في سياسات الدول التي يتواجدون فيها، حيال سوريا.

قد يرى البعض هذه الفكرة مُغرقة في "التنظير"، فالسوريون منقسمون على أنفسهم حيثما كانوا. لكن من كان يتوقع أن يتحول اليهود، الذين عانوا الاضطهاد والتهميش لقرون في أوروبا، إلى قوة كبرى لا تُرد كلمتها، داخل أروقة صنع القرار في أكبر عواصم العالم.

ومن كان يظن أن الأرمن المشتتين في مختلف بقاع الأرض، منذ مطلع القرن العشرين، سيتحولون إلى قوة كبرى، حيث يُسمع بوزن اللوبي الأرمني، أكثر مما يُسمع بوجود دولة أرمينيا نفسها، التي تشكل موطنهم الأصلي.

وهكذا، في الحالة السورية، قد تكون الخطوة الأولى، هي الأهم. وهنا، يتطلب الأمر من يخطو هذه الخطوة. وعلى هذا الصعيد، قد تكون هناك نخب عدة من السوريين مؤهلة لتلعب هذا الدور، دور المؤسس لجماعات ضغط سورية في مواطن السوريين الجديدة حول العالم.

أبرز النخب المؤهلة للعب هذا الدور، وأكثرها مصلحة فيه، هي نخبة رجال الأعمال والمستثمرين.

ويمكن أن يبدأ تأسيس لوبي أعمال سوريّ في أي بلد، كنادي يجمع رجال الأعمال السوريين فيه، حيث يتبادلون المصالح، ويتبادلون أيضاً تقديم الخدمات لبعضهم، بصورة تجعل منهم قوة مؤثرة في صنع القرار في البلاد التي يعملون فيها، بما يخدم مصالحهم أولاً، ومن ثم مصالح مواطنيهم ثانياً.

وبما لا يخالف القانون في أي بلد يعملون فيها، يمكن لهم أن يصهروا علاقاتهم ومعارفهم وقدراتهم المالية في بوتقة واحدة تشكل أداة للضغط غير المباشر، ومن وراء الأروقة، على مراكز صنع القرار في ذلك البلد، لخدمة مصالحهم.

وستزداد قدراتهم على التأثير إن لحظوا عدة عوامل تميّز جماعات الضغط حول العالم، من أبرزها، نسج علاقات وطيدة مع المسؤولين والمتنفذين ورجال الأعمال البارزين في البلد الذي يعملون فيه، وكذلك، نسج علاقات قوية مع وسائل الإعلام، والتعامل معها بتقنية عالية، عبر تأسيس مكاتب إعلامية متخصصة، تمثلهم، تتواصل مع مختلف وسائل الإعلام، ويمرر من خلال تلك الوسائل، الرسائل التي تخدم مصالحهم، كي تصل إلى الرأي العام الشعبي في ذلك البلد، سواء بالطرق المباشرة، أو حتى بالطرق غير المباشرة، التي تعتمد التمويل، وربما حتى شراء حصص في وسائل الإعلام المؤثرة.

وعلى جماعات الضغط السورية تلك، تأسيس نشاطات يمكن أن تخلق صورة فُضلى لهم في أوساط شعوب البلدان التي يعيشون فيها، كما سبق وقلنا، عبر وسائل الإعلام بدايةً، ومن ثم، عبر نشاطات خيرية، وأخرى، ثقافية، وخدمية أيضاً، تعزز قبول شعوب البلدان التي تستضيف السوريين، لهم، وترفع من نسب احترامهم وتقديرهم، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على نشاطات السوريين الاستثمارية.

وتزداد قوة جماعات الضغط السورية تلك، من رجال الأعمال، حينما يضعون نصب أعينهم، كما فعلت جماعات الضغط اليهودية والأرمنية قبلهم، هدف جمع السوريين في كل البلدان حولهم، بصورة تجعل اللوبي السوري في أي بلد، شبكة أمان للسوريين جميعاً في ذلك البلد، يتبادلون عبرها، المصالح، ويحصلون من خلالها على الدعم.

وعلى تلك النخب أن تعي، أنها كلما عززت من توحد السوريين حولها، كلما أسست لقوتها أكثر. وكلما عملت على خدمة مصالح شعبها، في دول الشتات، في القضايا الملحة التي تهمها، كتأمين فرص العمل والتعليم والطبابة، كلما ازدادت قوتها أكثر.

تلك ستكون الخطوة الأولى، لكنها الأصعب والأهم، أن نشهد جماعات ضغط سورية تخدم مصالح السوريين في مختلف الدول التي يتواجدون فيها. فالخطوات التي ستتلو الخطوة الأولى، ستكون أسهل بكثير، وهي التشبيك بين جماعات الضغط السورية في مختلف البلدان، لتتحول إلى "لوبي سوريّ عابر للحدود"، يمثل مصالح السوريين أينما كان، ومن ثم، يتحول إلى قوة مؤثرة في صنع القرار في عدد من عواصم العالم، بما يخدم مصالح بلدهم الأم، سوريا، كما فعل من قبلهم، اليهود والأرمن، ليكسبوا احترام العالم، ومكانة مرموقة تحت أضوائه.

وهكذا، بدلاً من أن يعيش السوريون، وخاصة المستثمرون منهم، في حالة رعب على مصائرهم كلما حدث حدثٌ قد يهددهم، في بلدٍ ما.. عليهم أن يبادروا إلى تأسيس أرضية صلبة يقفون عليها، وذلك يكون بتكاتفهم معاً، بدلاً من العمل الفردي، والمحاولات الشخصية.

حُلم قد يكون بعيد المنال، لكن آخرين حققوا أفضل منه بكثير، رغم ضآلة قدراتهم ومكاناتهم بين شعوب العالم، سابقاً.. فالأمر يبدأ بخطوة واحدة.. والتاريخ يسجل دائماً أن العمل الجماعي المنظم والهادف، يُثمر دوماً، في نهاية المطاف، فيما المساعي الفردية أكثر عرضة للتعثر والفشل، في معظم الأحيان.

ترك تعليق

التعليق