رواتب اللاجئين السوريين في أوروبا.. ويل للمدخنين..!!


ما أمر الحقيقة التي انكشف عليها اللاجئون السوريون الذين وصلوا إلى أوروبا وكانت تراودهم أفكار عن حياة يحصل فيها الفرد على كفاف يومه، إلى أن يستطيع الحصول على عمل بعد الانتهاء من برامج الاندماج..

غير أن الحقيقة التي انكشفوا عليها هو أن الراتب الذي يحصل عليه اللاجئ وبعد الانتهاء من برامج الاندماج بالكاد يكفي حتى منتصف الشهر، وإذا كان صاحب الراتب مدخناً فهو بالكاد يكفي لأسبوع.. فكيف يتدبر اللاجئون شؤون حياتهم..؟

اللاجئ الفرد واللاجئ الأسرة
 
تزداد فرص اللاجئ في أوروبا في الحصول على دخل أعلى كلما كان عدد أفراد الأسرة أكثر.. أما إذا كان اللاجئ بمفرده، فإن الاستمرار في الحياة بدون عمل وبالاعتماد على راتب اللجوء، أمر أشبه بالمستحيل..

وبحسبة بسيطة، يتقاضى اللاجئ الفرد وفي جميع الدول الأوروبية، راتباً يتراوح بين 350 يورو إلى 500 يورو.. بحسب مستوى متوسط المعيشة في كل دولة، لكنه من حيث النتيجة متساوٍ.. وإذا ما أخذنا فرنسا كمقياس والتي تعطي للفرد راتباً يبلغ 460 يورو في الشهر.. والمقصود أن يكون بمفرده وليس ضمن أسرة.. فإن هذا الراتب يضطر اللاجئ لأن يدفع منه آجار بيت وفواتير الماء والكهرباء والغاز والهاتف والتأمين على البيت.. وهي بمجملها تستنزف من الراتب أكثر من 200 يورو كحد أدنى بحسب المنطقة.. وفي هذه الحالة يتبقى من الراتب نحو 250 يورو للأكل والشرب واللباس وهي يمكن أن تكفي في حالة واحدة، إذا لم يكن الفرد مدخناً..

أما إذا كان مدخناً، فإن ثمن العلبة يبلغ 7 يورو.. وهو ما يعني استنزاف الراتب بالكامل خلال أقل من أسبوع.. إضافة إلى أن ظروف العمل في أوروبا غاية في الصعوبة وتتطلب برامج وتدريب قد تستغرق أشهراً كثيرة، ولا يحصل المرء في نهايتها على عمل.. ما يعني أنه مطلوب منه التكيف مع هذا المبلغ المحدود..
 
وفي المقابل تعتبر الأسرة أحسن حالاً من الفرد، كون الدول الأوروبية تدعم بشكل جيد الأسر التي تحوي على أطفال، وكلما ازداد عدد الأطفال كلما حصلت الأسرة على فرص أكبر للمعيشة.. حيث يمكن لأسرة مكونة من أبوين وأربعة اطفال أن تحصل على دخل في فرنسا مثلاً، يبلغ نحو 1400 يورو، وهو يكفيها لشؤون المعيشة اليومية، على أن لا يكون أحد الأبوين مدخناً.. لأن الدخان يستنزف أكثر من 30 بالمئة من الدخل في غالب الأحيان.. إضافة إلى أن الأجار والفواتير تستهلك كذلك نحو 30 بالمئة من الراتب..
 
إذاً، ما هو حال الأفراد والأسر السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا..؟، وكيف يستطيعون التغلب على الصعوبات المادية التي تواجههم..؟

صراع مع اليورو

قلما تجد لاجئاً فرداً من السوريين في أوروبا، لا يشكو من ظروف مادية صعبة يعايشها بشكل يومي.. فكل شيء يجب أن يكون عنده بمقدار، وأي خروج عن هذا المقدار ولو بشكل بسيط، يعني خللاً كبيراً قد يكلفه ثمناً باهظاً..
 
يقول أسامة الذي حصل على اللجوء في ألمانيا منذ عدة أشهر بعد انتظار لنحو عام.. أن الفترة الأولى التي عاشها في "الكامب" قبل الحصول على اللجوء كانت صعبة للغاية، إذ لم يكن يتقاضى أكثر من 100 يورو في الشهر، وهو كان يخصصها فقط لشراء نوع ردي جداً من الدخان بحسب وصفه، وحتى أنها لا تكفي لولا أنه اضطر لتخفيض استهلاكه من الدخان إلى النصف عما اعتاد عليه..
 
ويتابع أسامة أنه بعد أن حصل على اللجوء اعتقد أن ظروفه سوف تتحسن لأنه سيحصل على مبلغ يقدر بنحو 350 يورو.. لكنه اكتشف أن هذا المبلغ كله لا يكفي للحصول على سكن بمفرده.. وخصوصاً أن مشاريع الاندماج في ألمانيا تستغرق أكثر من عام ونصف إلى أن يستطيع المرء الحصول على عمل..
 
ويضيف أسامة أنه اضطر لاتباع نظام قاسٍ جداً لم يعتد عليه طوال حياته، من أجل أن يستطيع العيش بهذا المبلغ.. فهو كما يروي أن اليورو على صغر قيمته بالنسبة للحياة هنا في ألمانيا، إلا أنه أصبح يتعامل معه على أنه مبلغ كبير، ويجب أن لا يصرفه إلا في مكانه المناسب، الأمر الذي ساعده على الصمود حتى الآن.

وتزداد الأوضاع سوءاً بالنسبة للاجئ الفرد في فرنسا.. بسبب غلاء المعيشة أكثر من غيرها في باقي الدول الأوروبية، بالإضافة إلى أن الحكومة الفرنسية لا تقدم أية امتيازات باستثناء الراتب الذي يبلغ 460 يورو فقط.. وعلى الفرد أن يتدبر كل شيء بنفسه.. وهو مبلغ لا يحصل عليه إلا من تجاوز عمره الـ 25 عاماً.. أما من كان دون هذا العمر وبمفرده، فإنه لا يحصل على أي دخل إطلاقاً..

صراع مع الوهم
 
خلال إعدادي لهذا الريبورتاج، التقيت بشاب سوري في فرنسا عمره 21 عاماً.. وربما أنه كان السبب وراء الكتابة عن هذا الموضوع.. لقد حصل هذا الشاب على اللجوء ووجد نفسه في الشارع تماماً، بدون أي دخل وبدون الحصول على مسكن أو أي شيء..

أخبرني أنه منذ ثلاثة أشهر وهو يتنقل من مكان لآخر بحثاً عمن يأويه.. بينما لا يزال حتى الآن غير قادر على الحصول على عمل رغم محاولاته الكثيرة.. بسبب أنه لم يتقن اللغة الفرنسية بشكل جيد، وهو شرط أساسي لأبسط الأعمال..
 
قال لي: "لم أكن راغباً بالبقاء في فرنسا.. لأني سمعت عن هذه الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئ دون 25 عاماً.. لكن وصلت إلى هنا وأُجبرت على البصمة وأخذ اللجوء".
 
وتابع: "فجأة وجدت نفسي في العراء.. لكن الكل يشير علي أن أذهب إلى باريس، حيث يقولون أن فرص العمل هناك أفضل، لكني في الحقيقة لا أملك ثمن تذكرة القطار لأذهب إلى هناك.. فهي تحتاج إلى نحو 100 يورو.. إضافة إلى أنني لا أعرف أحداً هناك، أخشى أن ينتهي بي المطاف للنوم في محطات المترو شأن الكثير من المشردين".
 
ثم أضاف: "اكتب عنا.. كانت تراودني أحلام كثيرة قبل القدوم إلى أوروبا.. لكني أكتشف الآن أن أوروبا ليست أكثر من وهم"، وبعد صمت تابع: "لكني غير نادم.. الناس هناك تموت وأنا لازلت على قيد الحياة.. لدي إحساس أنني سوف أحصل على عمل وسوف تتغير كل هذه الظروف.. هل تستطيع أن تقرضني 100 يورو لكي أصل إلى باريس، وأعدك أنني سأعيدها لك مع هدية بعد أقل من شهر".
 
هكذا ختم حديثه معي.. وهكذا قررت أن أختم حديثي معكم..!!

ترك تعليق

التعليق