في غوطة دمشق.. شكل جديد لحروب النظام عبر "حليب الأطفال"


 في أيامٍ ليست بعيدة, يستذكر "أبو خالد" أشد الأيام حصاراً, ولكن هذه المرة برفقة ابنتيه التوأم "جودي وتاج", فالغذاء الأساسي لهنّ لم يعد متوافراً بعد منع قوات النظام المتمركزة على أطراف الغوطة الشرقية دخوله, بماذا سيبرر أبو خالد لابنتيه عندما ينهكهما الجوع؟.. هل يستطيع إيجاد بدائل تساهم في رفع المعاناة عن طفلتيه اللتين لم تتذوقا مر الحياة من حلاوتها؟

 يقول "أبو خالد": "التغذية السيئة للأم نتيجة الحصار بالإضافة إلى الحالة النفسية السيئة في ظل الخوف والهلع من أصوات القصف أدى إلى جفاف حليب الأم وبالتالي تم اللجوء إلى الحليب الصناعي، وليس حليب الأبقار الذي قد يضر بتغذيتهم نظراً لوجود مواد دسمة مقارنة بعمر الطفلتين".

 ومع فقدان هذه المادة في الأسواق وغلاء ثمنها الباهظ (إن وجدت) يسعى "أبو خالد" إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل تأمين عبوة أو عبوتين كل أسبوع, حيث وصل سعر العبوة الواحدة إلى ما يقارب 3900 ليرة سورية, ولا تكفي العبوة الواحدة سوى ثلاثة أيام فقط لابنتيه, فإنه بذلك ينفق بالشهر الواحد ما يقارب 39000 ليرة سورية، وهذا الرقم يساوي أكثر من نصف دخله شهرياً بحسب قوله.

 يضيف "أبو خالد" أنه يلجأ إلى طهي بعض الطعام الصحي الخفيف (رز مسلوق أو نشاء الذرة) ليستعمله كغذاء مساعد لعبوات الحليب التي لا يستطيع تأمين سوى القليل منها بشق الأنفس.

ويقدر عدد الأطفال الذين هم بحاجة إلى الحليب الصناعي في الغوطة الشرقية حوالي 12000 طفل وفقاً لإحصائيات استطاع موقع "اقتصاد" الحصول عليها من إدارة تنسيق العمل الإغاثي في الغوطة الشرقية موزعين حسب الفئات العمرية وفق المخطط التالي:


 وبالتالي هناك حاجة ماسة لتأمين ما يزيد عن 12000 عبوة أسبوعياً من أجل تغطية هؤلاء الأطفال بالحليب الصناعي ولا يتوفر في الغوطة سوى القليل منها.

 وللوقوف على أهم التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن هذه المأساة فإن ما يزيد عن ربع سكان الغوطة يدفعون أكثر من نصف دخلهم الشهري لشراء مادة الحليب الصناعي, فرب الأسرة الذي لديه طفل رضيع يضطر في بعض الأحيان إلى دفع حوالي 45 % من دخله في سبيل تأمين الحليب لطفله، (فضلاً عن باقي المصاريف كالحفاضات والأدوية وغيرها)، فيما تعكف بعض المؤسسات المنضوية ضمن إدارة تنسيق العمل الإغاثي في الغوطة الشرقية على تأمين المادة وتوزيعها بشكل مجاني على العوائل الأشد فقراً.

 يقول "أبو ياسين" أحد الموظفين الإداريين في إدارة التنسيق أنهم استطاعوا جمع معظم المؤسسات الإغاثية في الغوطة في تكتل واحد يدعى "اللجنة المركزية لتنظيم مشروع الحليب" هدف هذه اللجنة هو التنسيق بين المؤسسات التي تود توزيع عبوات الحليب وإحداث تقاطعات في البيانات من أجل إيصال المادة إلى أكبر عدد من مستحقيها، حيث يقوم رب الأسرة بتنظيم استمارة خاصة بالطفل وتقرير طبي حول حالة الطفل من أجل حصوله على بطاقة خاصة باستلام عبوة الحليب بشكل أسبوعي.

 يقول القائمون على اللجنة إنهم لا يدخروا جهداً في توفير الغذاء الأساسي للأطفال الأبرياء الذين لا طاقة لهم على تحمل الجوع.

 كما قامت إدارة التنسيق بإصدار تقرير استثنائي في 25 تشرين الأول الماضي, يدق ناقوس الخطر حول ضرورة تأمين حليب الأطفال, وقد استطاع مراسل "اقتصاد" الحصول على نسخة من هذا التقرير.



ولتسليط الضوء بشكل أكبر على التأثيرات الطبية, التقينا بالطبيب "أبو سالم" أحد الأطباء العاملين في "المكتب الطبي الموحد لمدينة دوما" الذي أكد أن الإرضاع الطبيعي له أهمية من جانبين: بالنسبة للطفل أفضل كناحية مناعية بأنه يقوي المناعة عند الأطفال ضد أغلب الأمراض, بالإضافة إلى النمو, ومن المعلوم أن تطور الدماغ عند الأطفال المعتمدين على الإرضاع الطبيعي هو أفضل من غيرهم, ومن الناحية النفسية يقوي الرابط العاطفي بين الأم وطفلها, ولكن للأسف فإن الأمهات يشتكينَ من فقدن الإدرار بسبب الخوف من القصف أو على الأقل خفت نسبة الحليب لديهن, الأمر الذي أدى إلى نقص نمو أو سوء تغذية شديد لدى معظم الأطفال والذي من المفترض أن يتم استبداله بهذه الحالة بالحليب الصناعي (وهو غير متوفر بالأصل).



 ولدى سؤالنا عن البدائل التي من الممكن الاعتماد عليها قال الطبيب "أبو سالم"، إننا نلجأ عادة في حال فقدان المادة إلى الحليب المطبوخ مع نشاء الذرة وليس القمح، إن توفر، وذلك بعد عمر الشهرين، كغذاء داعم للحليب.

 يذكر أنه في الأيام الماضية ومع دخول القوافل الأممية إلى مدن وبلدات الغوطة الشرقية فإن قوات النظام منعت بشكل كامل دخول المادة الحليب الصناعي إلى معظم المدن باستثناء بعض البلدات التي تم إدخال الحليب لها بنسبة لا تكفي سوى 20 % من الأطفال الرضع.

 وأمام هذا الواقع المرير, يبدو أن قوات النظام السوري أرادت شن حربها حتى على الأطفال الرضّع الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في مناطق مناوئة للحكم ويدفعون فاتورة باهظة ربما قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت المحتم.

ترك تعليق

التعليق