درعا.. لا مساكن، وأجور باهظة تدفع نازحين للسكن في حظائر للأبقار


شهدت أجور البيوت والشقق السكنية في مناطق درعا المحررة ارتفاعاً ملحوظاً، وذلك بالتزامن مع  تواصل حركة نزوح المواطنين من المناطق المستهدفة من قبل قوات النظام أو الواقعة في مناطق الاقتتال البيني، ما تسبب بأزمة سكن دفعت الناس للعيش في أماكن لا تليق بالسكن البشري.

  ويشير أبو محمد من لجان الإغاثة في المحافظة إلى أنه "في بداية الأزمة السورية واشتداد العمليات العسكرية، نزحت آلاف الأسر إلى بعض المناطق الآمنة، وكانت الأمور وقتها شبه محلولة بسبب توفر المنازل الفارغة"، لافتاً إلى أن الناس في تلك المناطق كانوا يفتحون بيوتهم للنازحين، ويشاركونهم السكن كما وكانوا يفتحون البيوت الفارغة التي هاجر أصحابها، ويسمحون للأسر النازحة بالسكن فيها بدون أي أجر أو مقابل مادي، وذلك انطلاقاً من عادات وتقاليد المجتمع وتعليمات ديننا الحنيف، الداعية إلى إغاثة الملهوف، وتقديم يد العون والمساعدة لمن هم بحاجاتها، حسب وصفه.

وأضاف أبو محمد: "مع استمرار أمد القتال، وبسبب الدمار الذي حل في بعض المناطق وغياب الأمل بالعودة إلى بعضها سبب احتلالها من قوات النظام، بدأ الناس يبحثون عن أماكن استقرار ثابتة، واستئجار البيوت والشقق السكنية فيها، ما تسبب بتحول البيوت والشقق الفارغة من مجانية في كثير من المناطق إلى مأجورة"، مبيناً أن أجرة الشقة أو المنزل كانت في البدايات رمزية، لا تتعدى الخمسة آلاف ليرة سورية في أحسن الأحوال، لكنها ومع استمرار الأزمة، بدأت ترتفع شيئاً فشيئاً، وأصبحت أجرة الشقة أو الغرفتين ومنافعهما، تتجاوز 25 ألف ليرة سورية، لاسيما في مناطق الريف الشرقي، التي أصبحت أجور البيوت والشقق السكنية فيها تصل إلى حدود الـ 50 ألف ليرة سورية.

أبو سائر، وهو من قرية عتمان الواقعة بالقرب من  مدينة درعا، أكد أنه نزح إلى الريف الغربي منذ بداية المعارك هناك، مشيراً إلى أن الأهالي فتحوا لهم بيوتهم دون مقابل وتعاملوا معهم بكل محبة، لكن سوء الأحوال الاقتصادية، وتوقف أعمال الناس، وحالة الفقر التي طالت أكثر من 80 بالمائة من السكان، دفعت ببعض الناس إلى طلب أجور البيوت لتغطية بعض الاحتياجات الأساسية.

ولفت إلى أن الأجور في ريف درعا الغربي أقل بكثير من بعض المناطق  الأخرى، وهي لا تتجاوز الـ 15 ألف ليرة سورية للمنزل، مهما كانت مساحته أو عدد غرفه.

من جهته، أكد أبو عبدو، وهو نازح من داعل، أنه جال على الكثير من المناطق الآمنة، ولم يعثر على سكن يأويه وأسرته المكونة من خمسة أفراد، لا بمقابل ولا بدون مقابل، لافتاً إلى الازدحام الشديد الذي تشهده  بعض البلدات الآمنة نتيجة الكثافة السكانية، بسبب نزوح أهالي مدن بأكملها إليها.

وأضاف أنه اضطر للسكن  في بناء غير منجز، يعود لأحد المعارف في تل شهاب، لكن الأجواء بدأت تزداد  برودة، ولم يعد بالإمكان تحمل العيش فيه، فحاول الانتقال إلى أحد مخيمات النازحين القريبة، لكنه كان أسوأ حالاً من أي مكان، والخدمات فيه متواضعة، والحياة صعبة جداً فيه.

أما أبو عدنان، من أقصى ريف درعا الغربي، الذي انتهى به المطاف في جلين في ريف درعا الغربي، فقد لفت إلى أنه استقر مع عدة عائلات في مقر الشركة الليبية، لكنه لم يستطع أن يسكن في تلك الشقق لتأخره بالمجيء إليها، الأمر الذي دفعة مع عدة أسر إلى تنظيف الحظائر التي كانت معدة للأبقار والسكن فيها، "حتى يفرجها الله"، ريثما يجد سكناً أو يعود إلى منزله إن وجده قائماً، كما أخبرنا.

ويشير خالد، من ريف درعا الغربي، إلى أنه نزح مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، بعد توقف عمله بالزراعة في أقصى الريف الغربي، نتيجة الاشتباكات المستمرة بين الأطراف المتقاتلة في المنطقة، لافتاً إلى أنه نقل كل أرزاقه إلى بلدة جلين، لكنه لم يجد مأوى إلا بالشركة الليبية.

وأضاف أنه يتقاسم مع عدة أسر حظيرة كبيرة كانت معدة لتربية الأبقار، تم تقسيمها بالشوادر وأكياس الخيش بين الأسر، وهي عبارة عن بناء إسمنتي يفتقر إلى الشروط الصحية وفيها العديد من الثقوب كما أن أرضيتها ترابية ما يجعلها صعبة الاستخدام خلال فصل الشتاء، مشيراً إلى أن المكان غير مخدم ويفتقر إلى الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء كما ويفتقر إلى الشروط الصحية لكن الظروف الصعبة دفعت بالناس إلى السكن به طلباً للأمان في ظل غياب الإمكانات وعدم توفر مساكن لائقة في عموم المناطق الآمنة.

وناشد أحد سكان المخيم المنظمات العربية والمحلية والدولية ذات العلاقة بضرورة تقديم مساعدات عاجلة للمخيم ورفده بأبسط مقومات الحياة ليصبح مناسباً للسكن البشري، كما أفاد لافتاً إلى أن المنظمات الإغاثية في المنطقة باتت عاجزة عن تقديم أي مساعدات للنازحين بشكل عام، بسبب توقف الدعم عنها ما فاقم من صعوبة أوضاع الناس وزادها سوءاً.

يشار إلى أن الشركة السورية – الليبية هي مزرعة لتربية الأبقار، وتقع في بلدة جلين التي تبعد إلى الغرب من درعا بنحو 25 كم، استولت عليها إحدى الفصائل الإسلامية بعد إغلاقها في بداية الثورة، باعتبار أن ملكيتها تعود إلى حكومية النظام والحكومة الليبية، ولكن بعد أن غادرتها، سكنها عدد من العائلات النازحة من عدة مناطق في المحافظة، ثم أقيم على أرضها في وقت لاحق مخيم الإيواء الثاني في درعا، ويعيش في مقر الشركة الآن نحو 300 عائلة من مختلف أرجاء المحافظة بعد إقامة عدة خيام فيه.

ترك تعليق

التعليق