"اقتصاد" يرصد سوق الأثاث المستعمل في درعا، وعينة من أسعاره


شهدت محلات بيع الأدوات المنزلية المستعملة في مناطق درعا المحررة انتشاراً واسعاً، وذلك مع توالي سنوات الحرب التي مازالت تتسبب في تدمير المنازل، وإجبار الأهالي على النزوح واللجوء، ودفعهم إلى بيع أثاثهم وأمتعتهم وجل ما يتعلق بذكرياتهم. 

ويشير أبو محمد الحوراني، 48 عاماً، وهو تاجر أدوات مستعملة، إلى أن محلات بيع الأدوات المنزلية في عموم مناطق محافظة درعا كانت محدودة جداً وعددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكنها ومع استمرار الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس، وما نتج عنها من أوضاع اقتصادية سيئة، شهدت ازدياداً ملحوظاً، وباتت موجودة في الكثير من المناطق البعيدة عن سيطرة النظام والآمنة نسبياً.

ولفت إلى أن ظروف المواطنين الاقتصادية، ساهمت في ازدهار هذه التجارة، وذلك نتيجة تزايد إقدام بعض المواطنين على بيع أثاثهم المنزلي، بهدف توفير المال لسد الاحتياجات المعيشية، والإنفاق على الطعام والشراب، إضافة إلى أن هناك عدداً كبيراً من المواطنين اضطر إلى بيع أثاث منزله، نتيجة اللجوء والنزوح، ولاسيما أولئك الذين يعيشون في المناطق المشتعلة التي اقتحمتها  قوات النظام، وذلك خشية أن تقوم هذه  القوات بنهبها أو تعفيشها، كما يحدث في كل منطقة تدخلها، أو خوفاً من أن تتأذى نتيجة القصف المتعمد، أو أن تُسرق من قبل اللصوص بعد خلو المناطق من سكانها.

ويقول أبو عصمت، 55 عاماً، وهو تاجر أدوات منزلية مستعملة، "تجد في محلاتنا كل ما ترغب من أثاث منزلي، فلدينا أدوات كهربائية، وغرف نوم وغرف جلوس، ومفروشات مختلفة، وأدوات صحية وأدوات مطبخ وعصرونية، وكل ما تحتاجه لتأثيث منزلك موجود، وكلها اضطر أصحابها لبيعها بسبب الحاجة للمال، أو لدواعي النزوح والرحيل"، لافتاً إلى أن لكل قطعة سعرها وذلك حسب جودتها وعمرها الزمني.

وأضاف أنه اشترى هذا الأثاث بأسعار مقبولة جداً، وأن أرباحه عليها ليست كبيرة، لأن الإقبال على المواد المستعملة انحسر قليلاً، لعدم وجود الأموال لدى المواطنين، وخشية البعض من أن تكون مسروقة، موضحاً أن هذه المشتريات نظامية، ومشتراة من أصحابها مباشرة، أو من وكلائهم بأسعار متفق عليها، حسب وصفه.

وقال إن زبائن محلات الأدوات المستعملة على الأغلب، هم من النازحين من مناطق أخرى فقدوا أثاثهم، ومن الشباب المقبلين على الزواج، الذين لا يملكون مبالغ كبيرة، ويريدون إتمام زواجهم حسب إمكاناتهم المتاحة، لافتاً إلى أن المفروشات الجديدة قليلة  بالأسواق، بسبب ارتفاع أسعارها أولاً، ولعدم وجودها ثانياً، بسبب عدم القدرة على نقلها من مناطق الإنتاج الخاضعة لسلطة قوات النظام إلى المناطق المحررة، لذلك يلجأ الناس لشراء المستعمل، وهو يفي بالحاجة.

وأضاف: "بالنسبة للأدوات الكهربائية فإن الإقبال الآن يتركز على شراء غسالات نصف الاتوماتيك، لأنها الأكثر استخداماً في المناطق المحررة، كون تلك المناطق تعتمد بشكل رئيسي على الطاقة الشمسية، لتشغيل بعض الأدوات الكهربائية، بسبب انقطاع التيار الكهربائي فيها بشكل مستمر"، مشيراً إلى أن غسالة نصف الاتوماتيك يمكن تشغيلها عبر بطارية سيارة، وهي ضرورية كما يراها الناس.

ويقول وفيق، 25 عاماً، "جئت إلى هذا المحل أنا وخطيبتي لشراء ما يناسبنا من الأدوات المنزلية، لأن المواد تبدو بجودة عالية، رغم أنها مستخدمة، كما وأنها أرخص سعراً، بالمقارنة مع الأدوات الجديدة"، مشيراً إلى أنه خاطب منذ أكثر من سنة، وقد انتظر طويلاً حتى تتحسن ظروفه المادية لإتمام مراسم الزواج، الذي يحتاج مبالغ مالية كبيرة لتجهيز العروسين، لكن وجود محلات الأدوات المستخدمة حل نسبياً الكثير من مشكلات المقبلين على الزواج، من خلال تمكينهم من شراء بعض الضروريات بأسعار مقبولة، حسب وصفه.

من جهتها، قالت خطيبته سناء، 20 عاماً، إن الظروف المادية صعبة للجميع، فكل السوريين أصبحوا فقراء، حسب وصفها، موضحة، "الحال من بعضه"، مشيرة إلى أنها قبلت كل شيء مستعمل لأنه لا يوجد حل آخر.

وأضافت أنها اشترت وخطيبها غرفة نوم مستعملة بنحو 125 ألف ليرة سورية، وبعض المفروشات بنحو 75 ألف ليرة سورية، لافتة إلى أنها لا تفكر بالأدوات الكهربائية حالياً، لعدم وجود تيار كهربائي لتشغيلها، كما أنها اكتفت بمحبس من الذهب بسبب ضيق حال العريس.

وأشارت إلى أنها تجولت في بعض محلات المفروشات الجديدة، فوجدت غرفة نوم أقل جودة من الغرفة المستعملة، لكن سعرها عالٍ، حيث يبلغ نحو 250 ألف ليرة سورية، لافتة إلى أنها فضلت شراء المستعملة، واشترت معها فرشاً وعصرونية بنفس ثمن غرفة النوم الجديدة تقريباً. 

وتقول أم قيس، 55 عاماً، وهي عائدة من الأردن حديثاً، "لقد بعت كل أثاث منزلي بنحو 350 ألف ليرة سورية عندما اضطررنا للنزوح، لكننا الآن لا نستطيع استعادته بمليوني ليرة سورية"، مشيرة  إلى أن كل شيء أصبح غالٍ جداً في سوريا، عدا الإنسان.

وأضافت أن نوعيات أثاث منزلها كانت جيدة وأسعارها مرتفعة لكن الحاجة والخوف من أن تنهب أو تُدمر، دفعها إلى التخلص منها بأبخس ثمن، معبرة عن حزنها بأنها باعت مع أثاثها كل ذكرياتها وذكريات أسرتها التي لا تساويها كل أموال الدنيا، كما أخبرتنا.

فيما أكدت أم عدي، 50 عاماً، أنها جهزت لولديها العريسين، أثاثاً مقبولاً، شمل غرفتي نوم ومفروشات وبعض العصرونية من محلات المواد المستعملة بنحو 700 دولار، مبينة  أنها وفرت على الأقل مثلها فيما لو اشترتها جديدة.

مصدر في مجلس محافظة درعا الحرة أكد أن هذه المحال شأنها شأن كل المحال التجارية الأخرى، تخضع لبعض الرقابة من الفعاليات الثورية الموجودة في مناطقها، لافتاً إلى أن المجلس يرخص لأي مهنة يريد المواطن ممارستها، إذا توفرت بالمهنة الشروط المطلوبة.

وأضاف المصدر أنه على الرغم من انتشار هذه المحلات في معظم المناطق المحررة التي تشهد هدوءاً نسبياً، "إلا أنه لم تصلنا شكاوى بشأنها"، لافتاً إلى أن المؤسسات الثورية في بعض المناطق المحررة تمارس دورها في ضبط أعمال هذه المحلات.

ترك تعليق

التعليق