عشيقات بوتين ومفارقات سوتشي.. حيث دُمّرت أمة


لا غرابة في أن يرتمي بشار الأسد في حضن فلاديمير بوتين، بهذه الحميمية، في سوتشي تحديداً. فهناك جملة مفارقات، قد يصعب إحصاؤها. ترتبط بالشخصين، وبالمكان. وتبدأ بنمط حياة بوتين وطريقته في الحكم، الملهمة للأسد. ولا تنتهي بتاريخ روسيا الدامي في تدمير الأمم الصغيرة بجوارها، ونهب مُقدّراتها. والتي ربما هي أيضاً، دروس مثيرة لاهتمام الأسد.

ارتمى الأسد في أحضان بوتين، في سوتشي. ذلك المنتجع النادر على ضفاف البحر الأسود، الذي يختص بمناخ معتدل في منطقة تقترب من القطب الشمالي.

سوتشي تلك، التي استطاع بوتين تحويلها إلى قبلة للسياحة العالمية، بعد أن تفاقمت شهرتها الدولية، في أعقاب أولمبياد 2014 الشتوية، تعوم على دماء مئات آلاف المسلمين الشركس، الذين أبادهم الروس، في القرن التاسع عشر، كي يحققوا أطماعهم في التوسع نحو شواطئ البحر الأسود، التي لم تكن، حينها، موطئ قدمٍ لهم.

شركس سوتشي، قد يكونون أولى الشعوب التي تعرضت لجريمة تطهير عرقي، بكل معنى الكلمة، في التاريخ المعاصر. فهم خسروا أكثر من مليون قتيل، و1.5 مليون مُهجّر، قبل أكثر من 150 عاماً. أحفادهم يعيشون اليوم في مناطق من تركيا وسوريا والأردن وفلسطين. ومن يتذكر منهم تاريخ أجداده، ينظر بعين الأسى إلى سوتشي، التي تُوصف بأيقونة السياحة الروسية، وهي التي كانت قبل قرن ونصف، إحدى أبرز حواضرهم.

يملك الروس تاريخاً فريداً، ربما، في إبادة الأمم المجاورة لهم، ونهب مقدراتهم. فـ سوتشي، بقيت حلماً روسياً لأكثر من قرن، قبل أن يكتمل في الحرب الروسية – الشركسية الأخيرة في القرن التاسع عشر، التي تم فيها إنهاء وجود معظم الشركس في أراضيهم التاريخية. وتم ترحيل معظمهم إلى أراضي الامبراطورية العثمانية، حينها.

هناك، حيث نفّذ أجداده إبادة عرقية قلما يذكرها التاريخ اليوم، يقضي فلاديمير بوتين، أوقاته، كقيصر. ويهدر الستيني المهوس بالمحافظة على صحته، الكثير من وقته، في نسج العلاقات مع عشيقات، كان لبعضهن قصص أقرب إلى الخيال.

فمن لاعبة جمباز، ثلاثينية، إلى جاسوسة روسية محترفة، مروراً بحالات أخرى غير معروفة على الملأ. يعيش بوتين حياة القياصرة. فسلفه، ستالين، كان حريصاً على قضاء عطلته في سوتشي. أما بوتين، فيقضي معظم وقته هناك، وكأنه يروج لتلك البقعة الفريدة في امبراطوريته، حيث البرد ليس قارساً.

دون شك، فإن بوتين ملهم للأسد. فالأخير أيضاً، أُشيع عن عشيقاتٍ له. والأخير أيضاً، يحذو حذو أستاذه الأكبر، في إبادة كل من يقف في طريق شهوانيته الحادة للسلطة والمال.

لكن، لا سوتشي خاصة بالأسد. حتى الآن. ولا أيقونة سياحية في بلده، التي دمرها على رؤوس أهلها. ذلك قد يكون الفارق الأبرز بين الأستاذ بوتين، وتلميذه، الأسد. فالأول، حريص على نهضة بلاده نحو الأفضل. وإن كان يقضي معظم وقته في منتجع سوتشي، حيث يلهو، ويتمتع بالطقس المعتدل، إلا أنه في الوقت نفسه، يروّج للسياحة في بلاده. أما الثاني، فأمره مختلف، فهو يروّج لبلده بوصفها مساحة متاحة لكل طامع خارجي، خشية أن يستجيب لضغوط شعبه.

لكن، رغم كل ما سبق، يبقى بوتين، ملهماً للأسد. لذا يمكن أن نفهم لماذا ارتمى في أحضانه، بهذه الحميمية، وفي سوتشي تحديداً.

ترك تعليق

التعليق