اقتصاديات.. أبو عبدو الجحش!


أبو عبدو الجحش، هو لقب اشتهر به رئيس الجمهورية الأسبق أمين الحافظ، وكان يتداول على نطاق واسع بين الناس.. وبحسب ما أخبرني مرة أحد المسؤولين من حلب الذي شغل منصباً زمن جمال عبد الناصر، أيام الوحدة، أن لقب أبو عبد الجحش لأمين الحافظ، لم يكن مقتصراً على التداول الشعبي، وإنما كانت تتداوله الصحف.. وبالفعل، عندما حصلت في مطلع التسعينيات على ثلاثة أعداد من صحيفة المضحك المبكي، تعود لعام 1966، لفت انتباهي أن نصف الصحيفة عبارة عن رسوم كاريكاتور لأمين الحافظ، مع مقالات ساخرة تطلق عليه اسم أبو عبدو الجحش.. ويومها أخبرني هذا المسؤول الحلبي، أن هذا اللقب سمح بتمريره على هذا النطاق الواسع، كل من حافظ الأسد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، وصلاح جديد الأمين القطري للحزب، وكانا يهدفان من خلاله، إظهار رئيس الجمهورية الحلبي، على أنه مسخرة، من أجل أن ينفردا في السلطة.

ولعل من سمع أمين الحافظ رحمه الله، وهو يتحدث، فهو لا يختلف كثيراً في منطقه عن منطق أبو عبدو قبنض، رجل الأعمال الحلبي وعضو مجلس الشعب الذي ظهر مؤخراً في فيديوهات مسربة من تحت قبة المجلس، وهو يتحدث بمنطق الزعران والحشاشين وقليلي الفهم.. وكذلك أمين الحافظ، لم يكن يتمتع بأي ثقافة أو منطق دبلوماسي، بل كنت تخاله أحد قبضايات حي باب النيرب في حلب، وليس رئيس جمهورية.

لقد جعل النظام فيما بعد، نموذج أبو عبدو الجحش، هو معيار خياراته لكل المسؤولين الذين يمثلون مدينة حلب، وعلى هذا الأساس جرى اختيار محمد ناجي العطري رئيساً للوزراء، الذي فجر أكثر من فضيحة خلال أحاديثه وكلامه، أحدها عندما كان في الرقة في العام 2005، حيث قال خلال رده على مداخلات المطالبين بدعم الإنتاج الزراعي، أن أهالي المنطقة الشرقية يبيعون محصلوهم ويصرفونه في "الكباريهات" في حلب، فكيف تطلبون من الدولة زيادة الدعم..؟، ويومها ثارت ثائرة أبناء المنطقة الشرقية، فسمح النظام للصحف أن تنال من رئيس الوزراء بالطريقة التي تعجبها، وهو ما دفع عطري فيما بعد لإصدار قرار يمنع فيه انتقاد رئيس مجلس الوزراء في وسائل تحت طائلة العقوبة الشديدة.

نموذج أبو عبد الجحش، تكرر مرة ثانية مع رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، رجل الأعمال الحلبي فارس الشهابي، فهو الآخر لا يملك صياغات جيدة لأفكاره وكلامه، وكانت وسائل الإعلام تخشى لقائه على الهواء خوفاً من أن يتسبب بإحراج لها.. بعكس رئيس غرفة صناعة حلب السابق، محمد صباغ شرباتي، الذي أزاحه النظام لصالح فارس الشهابي، فهو كان متحدثاً جيداً، وواجهة مهمة لرجال الأعمال الحلبيين.. وهو على ما يبدو ما لا يعجب النظام.

أما محمد قبنض، أو أبو عبدو قبنض، فهو ليس إلا استكمالاً لهذه السلسلة الحلبية، التي أراد النظام أن تكون واجهة لمدينة عريقة، وفيها طبقة مهمة من المثقفين والمتحدثين الجيدين، لكنه قرر استبعادها لصالح هؤلاء الزعران والمهرجين.

وحتى أحمد حسون، الذي مهما اختلفنا حوله، إلا أنه في النهاية متحدث جيد، ومع ذلك لم يمر على تاريخ سوريا المعاصر، أن كان فيها مفتي الجمهورية، ذليلاً وسخيفاً إلى هذا الحد.. حتى حافظ أسد وفي ذروة صراعه مع الإسلاميين، لم يحاول الحط من قيمة وقدر المفتي أحمد كفتارو، كما هو عليه الوضع اليوم..

أغلب الظن أن المسألة لها علاقة بحلب تحديداً.. وهو سر يرجعه الكثير من الباحثين، إلى أن حلب هي التي أسقطت دولة العلويين الوحيدة في التاريخ، أي الدولة الحمدانية.. لهذا ينظر إليها النظام ويتعامل معها بعدوانية غريبة، فهو دمرها بالكامل دون دوافع حقيقية، بالإضافة إلى أنه كان يعمل قبل الثورة على تدمير صناعتها، وموقعها الاقتصادي في سوريا، وبشكل مقصود.. وهو أمر كان يلمسه كل من كان قريباً من مواقع القرار الحكومي أو مطلعاً عليها.

ترك تعليق

التعليق