اقتصاديات.. في مثل هذا اليوم قبل الثورة


كانت مناسبة عيد العمال في سوريا، وفي الثمانينيات تحديداً، حدثاً كبيراً، يلقي فيه حافظ الأسد خطاباً، يستمر لعدة ساعات، يشتم فيه الامبريالية والاستعمار، ويتهجم على عملائهم من دول الخليج العربية، ثم يمجد بالثورة الإسلامية في إيران، التي أيدت حقوق الشعب الفلسطيني، وأخيراً، يحيي الأصدقاء السوفييت، الذين وقفوا إلى جانب قضيته العادلة، التي اتضح في المحصلة، أنها لم تكن سوى توريث الحكم لابنه..

في عقد التسعينيات، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، توقف حافظ الأسد عن إلقاء الخطابات في مناسبات عيد العمال، ومعها خلعت القيادات العمالية البدلات السفاري، وبدأت بارتداء البدلات الرسمية، وشيئاً فشيئاً، تحول الاتحاد العام لنقابات العمال، إلى منظمة طفيلية خالصة، لا هم لها سوى تحصيل المكاسب الشخصية لقياداتها.

في دراسة أجراها زميل صحفي، في الفترة الأولى من حكم بشار الأسد، ولم يسمح له بنشرها، اكتشف، أن أعداد المدافعين عن حقوق العمال في سوريا، هم أكثر من الطبقة العاملة ذاتها، ويتقاضون رواتب من الدولة أكثر من هذه الطبقة، لذلك كان الاقتراح البسيط التي توصل إليه: لماذا لا نلغي هذه الاتحادات العمالية ونوزع ما تكسبه على الطبقة العاملة..؟!

في الواقع، ما كان أحد يجرؤ على سحب أية لبنة من جمهورية الخوف والرعب التي بناها حافظ الأسد، وحتى عندما قرر بشار الأسد في بدايته حكمه، إعادة النظر بجميع الاتحادات والنقابات الخطابية، جاء من أخبره، بأن هذه المؤسسات إنما هي رديفة لأجهزة المخابرات، وأي مساس بها، فكأنما يحفر قبره بيده.

لكن والحق يقال، فإن جميع الاتحادات والنقابات، فقدت سلطتها وهيبتها، في السنوات الأخيرة من حكم حافظ الأسد، وتحديداً في العام 1999، عندما تم استبدال قياداتها التاريخية، مثل سعيد حمادي في اتحاد شبيبة الثورة، وعز الدين ناصر في الاتحاد العام لنقابات العمال، وأحمد أبو موسى في منظمة الطلائع ومصطفى العايد في اتحاد الفلاحين وسعاد بكور في الاتحاد النسائي..
 
وتقريباً شمل التغيير جميع هذه القيادات الطفيلية، وتم سحب الكثير من موازناتها وصلاحياتها الخطابية، لكن تم الإبقاء على هيكليتها..

لقد أراد بشار الأسد، أن يصمم بلداً على مقاسه وصورته الشخصية.. فهو القادم من بريطانيا، لا يمكن أن يقف حوله هؤلاء الرعاع من قيادات المنظمات الشعبية، وأن يكونوا هم واجهته وجمهوره، كما كان يفعل والده.. لهذا فعل ما بوسعه لكي يهمش هذه المنظمات ويبعدها عن الواجهة الإعلامية، وسرت الكثير من الأقاويل بعد العام 2005، بأنه ينوي حلها كاملة، أو تحويلها إلى وزارات حكومية، باستثناء الاتحاد العام لنقابات العمال..
 
واليوم الكثير من المؤيدين يلقون باللائمة على بشار الأسد، بأنه أجرى تغييرات جوهرية في بنية البلد التي بناها والده، والتي كانت السبب في الثورة عليه..

لهذا شهدنا في بداية الثورة السورية، عودة من قبل بشار للاستنجاد مجدداً بهذه الاتحادات والنقابات، من أجل أن تخرج جماهيرها إلى الشوارع لكي تؤيده وتهتف له، وجلبها مرة لكي تكون جمهوره في أحد خطاباته.. لكن كل ذلك جرى بعد فوات الأوان.. فالبلد كلها تغيرت، ولا يمكن العودة بالزمن إلى الوراء.. ومن يفعل ذلك يلقى حتفه..


ترك تعليق

التعليق