اقتصاديات.. بسام غراوي الذي رثاه الجميع، الشوكولا تحيد السياسة


أرسل لي أحد الأصدقاء على الخاص، يلفت انتباهي إلى أن رجل الأعمال السوري، بسام غراوي، الذي توفاه الله يوم الثلاثاء الماضي، هو معارض مئة بالمئة، وأن خروجه من سوريا في العام 2013، ما هو إلا موقف سياسي من سلوك النظام المجرم في دمشق.

وأكد لي هذا الصديق أنه التقى غراوي رحمه الله في باريس أكثر من مرة في العام 2015، وقد بين له موقفه مما يجري في سوريا، والذي هو ضد العصابة الحاكمة في دمشق وسلوكها في التعامل مع الشعب السوري وثورته التي بدأت في العام 2011.

وعلى جانب آخر، فإن الكثير من مواقع النظام، رثت بسام غراوي وأشادت بمناقبه الصناعية، وخدمته للاقتصاد الوطني، ومساهمته في رفع اسم سوريا عالياً في المعارض الصناعية الدولية، في موقف لم تمارسه هذه الوسائل سابقاً، ومع شخصيات كبيرة توفيت مؤخراً، وتم تجاهلها تماماً، على الرغم من أنها ظلت تعيش في حضن النظام، مثل رجل الأعمال صبحي جود والوزير عامر حسني لطفي، رحمهما الله.

وكذلك فعل الكثير من أصدقاء الفقيد، الذين ينتمون إلى كل التيارات السياسية، نظام ومعارضة.. وهو ما يطرح السؤال التالي: كيف استطاع رجل الأعمال هذا، أن ينجو من التصنيفات القاسية، وأن يظل محل توافق الجميع ودون أن يزعج أحداً..؟، وهل يمكن أن نعتبر بسام غراوي نموذجاً يمكن التأسيس عليه لبناء السوري في المستقبل..؟

في الواقع، القارئ لسيرة بسام غرواي الذاتية والصناعية، وكذلك لتصريحاته بعد الثورة، يجد أن الرجل منذ البداية، عرف قدره، فوقف عنده، ويتجلى ذلك من خلال اهتمامه بعمله فقط، وعدم التورط في المواقف السياسية، مهما صغر حجمها أو كبر.. وهذا الأمر لا يعود إلى الفترة ما بعد الثورة السورية، وإنما ما قبلها، فلا يمكن أن تقع على تصريح لبسام غراوي، يشيد فيه بمناقب السادة المسؤولين أو يرسل فيها التحيات والتبريكات للقائد الخالد أو القائد الشاب، وإنما كل حديثه كان في المجال الصناعي، وما يخص عمله وتطويره فقط.

والملفت أكثر في سيرة بسام غراوي، هو هذه الانطلاقة الأوروبية الجديدة التي كان يخطط لها، والتي جعلت كل وسائل الإعلام العالمية، تهتم بمشروعه في العاصمة الهنغارية بودابست، عندما قرر في العام 2015، بناء مصنع شوكولا، وإقناع الحكومة هناك بالمشاركة في المشروع بمبلغ 5 ملايين يورو، فلولا أن الرجل يحظى بثقة عالية، لما توجهت الأنظار إليه.. بل جرى تقديمه عبر تلك الوسائل، على أن صناعة الشوكولا في موطنها الأصلي في سويسرا وفرنسا، مقبلة على منافسة شديدة، وعليها أن تعيد حساباتها، مع دخول بسام غراوي إليها..

كم نحن بحاجة إلى مثل هذا السوري اليوم في جميع أنحاء العالم، لكي يكون رسولنا إليه، بعد أن أتعبتنا الحرب والسياسة، وشوهت جزءاً أصيلاً من أرواحنا..

إن رسالة بسام غرواي إلينا، هي أن نعمل بما نفهم ونعرف، لأننا حتماً سننجح أينما ذهبنا، وليس بالضرورة أن نعمل جميعاً في السياسة..

أما الرسالة الأهم، فهي على ما يبدو أنها متضمنة في الشوكولا ذاتها وسحر مذاقها، الذي قد يلهينا عن صراعاتنا وخلافاتنا فيما بين بعضنا البعض..
 
ألا تتذكرون إعلان الشوكولا على التلفزيون السوري قبل سنوات طويلة، والذي يقول: "لك ولنصفك الحلو"، كيف أنها أثرت في جيل كامل، وحسنت الكثير من علاقاتنا العاطفية والإنسانية..؟!

لا تستهينوا بالشوكولا.. فقد يضع الله سره في أضعف خلقه..
 

ترك تعليق

التعليق