تتحدى ثقافة "العيب".. أول لاجئة سورية تخترق مهنة السباكة في الأردن


استطاعت اللاجئة السورية "صفاء سكرية" اختراق واحدة من أكثر المهن حكراً على الرجال، وهي "السباكة" أو صيانة وتصليح التمديدات الصحية في المنازل، لتكون لها عوناً في ظروف لجوئها بالأردن، متحدية "ثقافة العيب" التي تسيطر على نظرة المجتمع العربي عامة.

 وتمكّنت السيدة الثلاثينية القادمة من ريف دمشق من افتتاح ورشة إصلاح مواسير الحمامات والمطابخ مع مجموعة من زميلاتها بعد أن قامت بتدريبهن على أصول المهنة التي تعلمتها بدورها في مركز لتمكين المرأة بمدينة إربد (شرق الأردن).
 

درست "صفاء سكرية" المتحدّرة من بلدة "عين ترما" بالغوطة الشرقية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وكانت تدير مشغلاً للإكسسوارات النسائية وصياغة الحلي وأدوات الزينة. وفي عام 2012 مع اشتداد ظروف الحرب اضطرت للجوء مع أبنائها إلى الأردن وبحثت-كما تروي لـ"اقتصاد"- عن عمل من أجل توفير سبل المعيشة الكريمة، لأسرتها المكونة من ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة وزوج لحق بالعائلة فيما بعد.

 وعلمت "صفاء" بوجود دورة سباكة للنساء في مركز الأميرة بسمة، برعاية منظمة "جي أي زد" التابعة لوزارة المياه في الأردن، وكانت تظن في البداية أن المقصود بها صياغة الذهب والمعادن وصناعة حلي النساء، غير أنها فوجئت بأن المقصود بالسباكة التمديدات الصحية أو الموسرجية، ورغم ذلك كان لديها-كما تقول- دافع لخوض تجربة تعلم هذه المهنة الذكورية ومعرفة أسرارها، علماً أنها -كما تؤكد- لم تمسك في حياتها مفتاحاً انكليزياً أو بنسة أو منشاراً.


وتروي السباكة السورية أن الدورة أشرفت على التدريب فيها خبيرة ألمانية امتدت لشهرين، وتلقت خلالها مع عدد من رفيقاتها تدريبات نظرية وعملية على الصيانة المنزلية بشكل عام كتغيير الجلد (الجوانة) بالمفهوم الشامي، وتوصيل الأنابيب والألوظة، وتركيب الصنابير والخلاطات.

 وتردف "صفاء" أنها كانت تسكن في منزل بحاجة إلى صيانة، وكان من الصعب أن تُدخل سباكاً إلى منزلها نظراً لعدم وجود زوجها معها في الأردن آنذاك، وكان عليها-كما تقول- أن تركّز في دروس الدورة على كل شاردة وواردة في المهنة وتتعلم وتطبق ما تتلقاه في المنزل وتستفيد من الملاحظات، إلى أن أتقنت المهنة.


في نهاية الدورة تم تقسيم المتدربات-كما تقول صفاء- إلى مجموعات من أجل التطبيق العملي الذي امتد لعام ما بين 2016 و2017 حيث اعتادت مع رفيقاتها على دخول بيوت الأردنيات وإجراء صيانة التمديدات الصحية كافة بشكل مجاني وربما قدمن المواد اللازمة في الصيانة مجاناً أيضاً.
 
وأضافت محدثتنا أنها درّبت 25 طالبة في مركز التدريب المهني بمنطقة "حكما" في إربد بدعم من منظمة "جي آي زد" وحصلت على شهادة المزاولة بعد خوض الامتحان الخاص بالمهنة مما جعلها مؤهلة لافتتاح مركز خاص بها وبزميلاتها. وتمكنت فعلاً من افتتاح ورشة صغيرة، وكانت هذه الورشة التي اقتصرت على العنصر النسائي فرصة لأن يدخلن بيوت العائلات في المدينة حتى ولو لم يكن رب العائلة موجوداً.


 وتشمل أعمال الصيانة التي يقدمنها، تركيب الجلايات ومصارف الغسالات الأتوماتيكية والتمديدات الداخلية والخارجية وإصلاح أعطال المرافق الصحية وكل الأعمال المعتادة في هذه المهنة.

ومن ورشة صغيرة انتقلت صفاء مع رفيقاتها إلى مركز واسع أطلقن عليه اسم "مجموعة صفاء للصيانة". ويضم المركز مكتباً للتدريبات، حيث يحتوي عشرات العدد والمستلزمات والأدوات التي تتطلبها مهنة السباكة، وقسماً للمهن غير التقليدية.


 وتنوي "صفاء" كما أخبرت "اقتصاد" تنظيم دورة للسيدات على مهنة التمديدات الكهربائية والصيانة بعد حصولها على ترخيص معهد أكاديمي لتدريب السيدات على المهن غير التقليدية.

ولفتت صفاء إلى أن نظرة الاستغراب لمزاولتهن هذه المهنة لا زالت قائمة رغم مرور أربع سنوات على بداية مشروعها، لكونها مهنة غير مألوفة للنساء. وتوضح أنها واجهت في بداية ممارستها لهذه المهنة تحديات جمّة، لكنها تمكنت من تجاوزها وكسر النظرة النمطية حيال هذه المهنة وتشجيع النساء على مزاولتها للاستفادة منها في تدبير أمورهن المنزلية إن لم يردن العمل بها.


وأردفت محدثتنا أن المجتمع في الأردن وخصوصاً في أربد لا يزال محافظاً ولا يتقبل عمل المرأة في مهنة السباكة مما رتّب أعباء على كاهلها وكاهل زميلاتها فكان عليهن مهمة اقناع الزبائن بهن كسباكات أولاً، وبقدرتهن على إتقان العمل تالياً، وحل مشكلة كبيرة كانت تؤرق العائلات الأردنية التي لا تسمح بدخول السباك الرجل إلى المنزل دون وجود مُحرم فيه.

وروت السباكة الشابة وعلامات الإبتسام ترتسم على وجهها أنها أمضت أكثر من شهرين وهي تحاول مداراة طبيعة مهنتها وعدم البوح بها خوفاً من الإحراج ونظرة المجتمع والناس، مضيفة أن هذه المهنة غريبة وغير مألوفة حتى بالنسبة للنساء أنفسهن حتى أن صديقاتها كن يتندرن من تحولها من صياغة وتصميم القطع الجمالية الناعمة إلى مهنة خشنة تتطلب قوة بدنية كالسباكة، غير أنها -كما تقول-لم تلتفت لكل ذلك لقناعتها بأن ما تقوم به هو بمثابة رسالة عن قدرة المرأة على العطاء والتميز في أي مجال مهما كانت الظروف والمصاعب، وبخاصة في وضع مثل وضع المرأة السورية اللاجئة في شتات الأرض اليوم.


ولم تخفِ "الموسرجية" اللاجئة وجود صعوبات في مهنتها ومنها -كما تقول- ثقل جهاز "الهيلتي" وهو جهاز يشبه جهاز الثقب "الدرل" ولكنه أكبر حجماً ويخصص لحفر الجدران من أجل تمديد الأنابيب فيها، ويحتاج لقوة بدنية لحمله واستخدامه وكذلك صعوبة إقناع الناس بأهمية عملها والقدرة على إتقانه ومواجهة "ثقافة العيب" المنتشرة تجاه عمل المرأة اليدوي بشكل عام وتجاه العمل في السباكة بشكل خاص كون العمل الذي تقوم به غير تقليدي.

 وحسب تقرير لمركز الفينيق الأردني مازالت ثقافة العيب هي المسيطرة على نظرة المجتمع لعمل المرأة الأردنية والوافدة في سوق العمل مما جعل مساهمتها بالنسبة لسوق العمل لا تتعدى الـ 12% حسب التقرير المذكور الذي أرجع ذلك لأسباب عديدة.

ترك تعليق

التعليق