اقتصاديات.. الحقوق قبل الحدود، والكبار قبل الصغار


التحقيق الاستقصائي الذي أجرته صفحة "دمشق الآن"، التي يديرها "الولد" وسام الطير، بإشراف مخابرات النظام، حول تعاطي موظفي مديرية النقل في ريف دمشق، بالرشوة، يشبه إلى حد كبير، من يرسل فتاة جميلة، لكي تتعرى أمام شاب محروم، لاختبار عفته وأخلاقه.. فقبل أن تستشرف على الآخرين، يجب أن تكون قد حصنتهم ضد الموبقات والمفسدات، وقبل أن تقيم الحدود، يجب أن تعطي الحقوق.. فهل أعطيت هؤلاء الموظفين حقوقهم كي تحاسبهم على فسادهم..؟
 
برأيي، لو أن هذا التحقيق جرى في إحدى الدول المحترمة، لكان وجب قبل كل شيء، مقاضاة وزير النقل والمسؤولين الأكبر منه، وليس كما رأينا، أن الوزير نصب نفسه مدعياً شخصياً على هؤلاء الموظفين الصغار، وأحالهم للقضاء، ثم توعدهم بإيقاع أقصى العقوبات بحقهم..!

إذا كنتم بالفعل جادين بالكشف عن قضايا الفساد وسوء الأخلاق، فالأولى أن ترسلوا الفتاة الجميلة كي تتعرى أمام الشيخ الجليل، وأن يتم عرض الرشوة على المسؤول الكبير، وليس "الاسترجال" على هؤلاء المساكين الصغار. وعندها بوسعكم أن تحكموا، فيما إذا كان الفساد ثقافة جماهيرية، أم سياسة حكومية..؟

فعلاً، وقحة هذه الصبيانية التي بدأت تظهر على وسائل إعلام النظام، والأغرب هو التصفيق لها من قبل إعلاميين يطلقون على أنفسهم أنهم كبار في نظام الأسد، إذ ان البعض عنون تعليقه على هذا الريبورتاج، بأنه فتح جديد في مجال التحقيقات الاستقصائية في سوريا.. أي فتح وأي جديد يا أخي..؟، عمى الله أبصاركم..!، هل تناسيتم كيف أنه في سنوات سابقة، نهاية الثمانينيات، كان الصحفي نبيل الملحم سباقاً في هذه التحقيقات، ولكن ليس باتجاه الصغار، وإنما نحو الكبار، وكيف أن العقل الأسدي لم يستطع تحمل تحقيقاته، وتم إيقاف برنامجه التلفزيوني، بعد أن تعرض لهجوم شرس من أجهزة المخابرات، وصلت إلى حد إرسال الدوريات، إلى جريدة الثورة، حيث كان يعمل، من أجل اعتقاله.

باختصار، مرحلة بشار الأسد كلها، كان يطغو عليها الصبيانية، وتحولت البلد في عهده لكي يعبث بها الأولاد والصغار، والنتيجة كانت ما ترونه حالياً..!

فعلاً، صدق المثل الشعبي القائل: "ولد خرب بلد"، أو "الله يلعن البلاد اللي حكامها ولاد".

ترك تعليق

التعليق