اقتصاديات.. الجمارك وحملة قطع أرزاق السوريين


تتصدر أخبار حملة الجمارك على المهربات في سوريا، منذ أكثر من شهر، قائمة أخبار وسائل إعلام النظام والموالية له، وهناك يومياً حديث عن كميات البضائع التي يتم إلقاء القبض عليها ومصادرتها والتي تقدر قيمتها بعشرات مليارات الليرات، مع التركيز على عبارة أن هذه البضائع فاسدة ومصدرها من تركيا، وأغلبها موجود في محافظة حماة.

أحد أولئك الأشخاص الذين تمت مصادرة بضائع بكميات كبيرة له مع اعتقاله وتحويله إلى القضاء، تواصل ذووه معي بالأمس، ليخبرونني، بأن حملة الجمارك على التهريب، تشبه حملة الاعتقالات العشوائية، التي كانت تنفذها مخابرات النظام في بداية الثورة السورية، فهي تتقصد الإجهاز على فئة معينة من الشعب السوري، وتدمير الإمكانيات الاقتصادية لمن تبقى منها داخل البلد، بعد أن جرى تهجير القسم الأكبر من شبابها وأهلها إلى خارج سوريا.

وأوضح ذوو هذه البضاعة التي جرت مصادرتها على أنها مهربة من تركيا، لكنهم رفضوا إعطاء أي معلومات عنها خوفاً من الانتقام، أنهم ينتجونها في معاملهم منذ فترة طويلة، والمادة الأولية مشتراة من الأسواق السورية، وهي مستوردة حسب الأصول القانونية، لكنهم فوجئوا بدوريات الجمارك تحاصر منشأتهم، وهي مدججة بكافة أنواع الأسلحة القاتلة، ثم قامت بدون تدقيق بمصادرة البضاعة، ووجهوا لنا الشتائم بأننا عملاء تركيا، وبعدها أخذوا معهم صاحب المنشأة إلى جهة مجهولة.

واللافت كما ذكرنا في البداية، أن معركة الجمارك على التهريب لا تدور رحاها إلا في مناطق معينة، حلب وحماة تحديداً، بينما لا تقترب هذه الحملة أبداً من محافظتي اللاذقية وطرطوس، معقل التهريب الأساسي في سوريا، ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي، وليس خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يؤكد أن الحملة تستهدف فئة معنية من السوريين، وتسعى لإفقارها وزجها في السجون على خلفية تهم اقتصادية ارهابية.

وكي يبدو النظام بريئاً من تهمة الطائفية، أوحى بأن الحملة على التهريب هي من أبرز مطالب رجال الأعمال في حلب ودمشق، الذين ادعوا بأن بضائعهم المنتجة محلياً تتعرض للكساد بسبب منافسة البضائع المهربة من تركيا، والتي تباع بسعر أقل بكثير من أسعار بضائعهم، وقاد هذه الحملة على وجه الخصوص، فارس الشهابي، رئيس ما يسمى اتحاد غرف الصناعة السورية، وظلت وسائل إعلام النظام، تنقل تصريحاته التي تدعو إلى ضرب المهربين من تركيا بيد من حديد، لأكثر من عامين، ويقدم الرؤية تلو الأخرى، بأن الصناعة الوطنية، ومعها الاقتصاد السوري، لن يتحسن، دون الإجهاز على هؤلاء المهربين.

وفارس الشهابي كما هو معلوم، أداة بيد النظام، يتم تلقينه ما يجب أن يصرح ويطالب به، وهو ذاته الذي يشن اليوم حملة على تركيا وعلى رئيسها رجب طيب أردوغان، كان حتى العام 2011، يتفاخر بأن بشار الأسد اختاره من بين كل رجال الأعمال لكي يحضر حفل الغداء الذي أقامه في بيته بحضور أردوغان، وكان حتى ذلك التاريخ من أبرز الداعين لدخول البضائع التركية إلى سوريا، وهو ما أدى لاحقاً لتدمير جزء كبير من الصناعة الحلبية.

لذلك، كان الله في عون أهلنا السوريين في الداخل، فالأخبار القادمة من هناك تشير إلى أن بشار الأسد، يسعى لتعزيز انتصاره على الشعب السوري، عبر تدمير كل مقومات صعوده من جديد..

إنه بالضبط يريد أن يحكم شعباً ميتاً، وأن تبقى الأنقاض على حالها، لأنه لم يعد بوسعه أن يحكم شعباً يريد أن يبقى على قيد الحياة.. وذلك خوفاً من أن يستجيب القدر!

ترك تعليق

التعليق