اقتصاديات.. البنوك الخاصة في سوريا والضغوط الأمريكية


كشفت أحداث الشهرين السابقين، أن أمريكا ماضية في زيادة العقوبات الاقتصادية على النظام السوري الذي اتخذ قراراً نهائياً بعدم الطلب من إيران مغادرة أراضيه، بحسب الرغبة الأمريكية، وبالتالي فإن سلسلة العقوبات مرشحة لأن تصل إلى جميع الشركات العربية والأجنبية العاملة على الأراضي السورية، ومنها البنوك وشركات التأمين الخاصة.

وتوحي تحركات النظام السوري، بأنه يستعد لكل مساوئ المرحلة القادمة، والتي يتوقع أن يصل الحصار فيها إلى المواد الغذائية الأساسية، لذلك سارعت هيئة الاستثمار السورية للإعلان عن تأسيس مشروع لحليب الأطفال والحليب المجفف، فيما أعلن مجلس الوزراء وفي اجتماع مع المصارف الحكومية، بأنه سيعيد النظر في تمويل الكثير من المستوردات وسوف يحصرها فقط في مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية، في محاولة للحفاظ على سعر صرف الليرة السورية، التي فقدت أكثر من 20 بالمئة من قيمتها خلال أربعة أشهر.

غير أن الكثير من المراقبين، يشيرون إلى أن قدرة النظام على مواجهة مسلسل العقوبات الأمريكية المتواصل، لا بد أن تقف عند حد معين، وخصوصاً أن هذه العقوبات لا تطاله وحده فحسب، وإنما داعميه أيضاً، وكل من يفكر بدعمه والتعاون معه.. بما فيها روسيا، البلد القوي.

وقد رأينا كيف صوت مجلس النواب الأمريكي بالأكثرية يوم الاثنين الماضي، على قرار يقضي بمعاقبة الشركات الروسية المزودة للغاز في أوروبا، وفي المقابل أعلنت أمريكا عن رصد مليارات الدولارات، لدعم الدول الأوروبية، كي تستغني عن وارداتها من الطاقة الروسية، معلنة بذلك بداية مواجهة علنية مع روسيا، سوف تمتد بلا شك إلى سوريا، بحسب ما يرى مراقبون.

أما بخصوص البنوك الخاصة في سوريا، البالغ عددها 13 بنكاً منها 3 إسلامية، والتي تعود أصولها إلى مؤسسات عربية ودولية، فإن النظام، منذ مطلع تشرين الأول الماضي، بدأ يتحضر لانسحاب أغلب هذه البنوك من السوق السورية بفعل زيادة العقوبات الأمريكية عليها، حيث توقف الحاكم الجديد للمصرف المركزي، حازم قرفول، عن الاجتماع بمدراء هذه المصارف، ورسم سياسة النقد معهم، كما قام المركزي بحذف قائمة هذه البنوك من على موقعه الرسمي على الانترنت نهاية أيلول الماضي، في خطوة لا يمكن تفسيرها سوى بأن النظام بات يعتبر هذه المصارف بحكم غير الموجودة.

ومما تجدر الإشارة إليه أن المصارف الخاصة في سوريا، كانت قد أعلنت في الثلث الثالث من العام الماضي عن حجم موجودات بأكثر من 4 مليار دولار، تتركز أغلبها في بنكين، هما بنك البركة الإسلامي، وبنك سوريا الدولي الإسلامي، الذين أعلنا عن أرباح كبيرة في ذات الفترة بالإضافة إلى بنك بيمو السعودي الفرنسي وبنك الشرق، بينما أعلنت باقي البنوك عن خسائر فادحة، بما فيها بنك بيبلوس، الذي يملك الحصة الأكبر فيه، رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، حيث سجل خسائر بأكثر من 200 مليون دولار.

ويشكل انسحاب أو توقف البنوك الخاصة في سوريا، ضربة قاسية للنظام، وهو الذي كان يعتمد عليها كثيراً في تمويل مشاريع رجال أعماله، والتي كانت تذهب في أغلبها لتمويل فرق الشبيحة، بالإضافة إلى أن هذه المصارف كانت تمول الكثير من المستوردات، لذلك ينظر مراقبون إلى قرار الحكومة بتقنين الإستيراد، على أنه يندرج ضمن توقعاته بتوقف أنشطة هذه المصارف، سيما وأن القرار جاء مشفوعاً بدعم المصارف الحكومية بمبلغ 30 مليار ليرة لدعم عمليات الإقراض.

ولا ننسى كذلك أن محاولات النظام لفتح مصارف مشتركة مع روسيا وإيران، كلها باءت بالفشل، بسبب العقوبات الأمريكية، ما يعني حالياً أنه مضطر لتمويل جميع حاجياته عبر عملاء ووسطاء، مما يزيد من تكاليف استيرادها عن السعر العالمي بأكثر من الثلث أو النصف.

كل ذلك يشير إلى أن الليرة السورية هي التي ستتحمل أعباء المرحلة القادمة، وأن الحفاظ على سعرها سوف يشكل تحدياً صعباً للنظام، لأن البنوك الخاصة سوف تكون بعد اليوم أكثر حرصاً على الاحتفاظ بما لديها من عملات صعبة، وهي على الأغلب لن تفرط بها في السوق الداخلية، أو في عمليات إقراض جديدة وتمويل المستوردات، وأما ما يتحدث عنه من إجراءات لوقف تدهور الليرة أوانهيارها بالكامل، فهي لا تعدو مجرد مسكنات، قد تساعد بوقف الوجع لفترة مؤقتة، لكنها بكل تأكيد لن تكون قادرة على معالجته.

ترك تعليق

التعليق