اقتصاديات.. تأجير مرفأ طرطوس، وحصار حزب الله


تجهد وسائل إعلام النظام، منذ انتشار خبر تأجير مرفأ طرطوس للروس لمدة 49 عاماً قبل نحو الأسبوع، في تصوير هذا التأجير على أنه حدث عظيم، سوف يعود بالخير الوفير على اقتصاد سوريا وشعبها.

وبعض وسائل الإعلام الخاصة، والمدارة من قبل أجهزة المخابرات، ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بأنه من الآن وصاعداً، فإن سوريا لن تكون رقماً سهلاً في حرب الموانئ التي تتصارع الدول العظمى للسيطرة عليها، مصورة هذا التنازل الرخيص عن أهم موانئ البلد، على أنه بُعد نظر وحكمة من قبل "السيد الرئيس"، الذي يعي المخاطر المحدقة بالدولة السورية ويحاول أن يواجهها بكل شجاعة.

أما وزير نقل النظام، فقد اعتبر تأجير المرفأ والتنازل عنه لروسيا لمدة 49 عاماً، سوف يؤمن إيرادات كبيرة للدولة السورية، لم يكشف عنها، كما لم توضحها بنود الاتفاق، لكنه أشار إلى أن الشركة الروسية التي سوف تتسلم المرفأ، وهي "ستروي ترانس غاز" سوف تضخ مبلغ 500 مليون دولار على أعمال التوسيع والتطوير..
 
وهو رقم سوف نسلم جدلاً بأنه صحيح، وبأن الشركة الروسية، سوف تعمل على هذا الأمر، وبالتالي ومن خلال مقارنة هذا الرقم مع إيرادات مرفأ طرطوس السنوية، فإننا سوف نجد أنه بالكاد يغطيها وعلى مدى عشرين عاماً قادمة.

لأن الإيرادات السنوية للمرفأ لم تكن تتجاوز في أحسن الحالات الـ 50 مليون دولار سنوياً، قبل العام 2011، ثم انخفضت إلى أكثر من النصف بعد هذا التاريخ، وحتى يومنا هذا.

ولعل هناك نقطة شديدة الأهمية لم يلتفت إليها أحد عن توقيت تأجير مرفأ طرطوس، والذي يتزامن مع زيادة الضغط الأمريكي على النظام السوري من أجل إخراج إيران من سوريا، ووقف دعمها للمجموعات والتنظيمات الموالية لإيران، مثل حزب الله.
 
إذ شكل المرفأ في الماضي، بسبب قربه من الشواطئ اللبنانية، مجالاً حيوياً لتقديم الأسلحة والذخائر إلى حزب الله، ولأن أمريكا وإسرائيل، لا ترغبان بأن تظلا تحرسان المنطقة والشواطئ السورية طوال الوقت، فقد تم إيكال المهمة لروسيا، حيث ظهر هذا الاتفاق للعلن، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، ولقائه بالرئيس بوتين مطلع الشهر الجاري.

وأغلب الظن، أن ما سيحصل عليه النظام السوري مقابل تأجير مرفأ طرطوس، هو بضعة أطنان من النفط، سوف تقدمها روسيا له عوضاً عن المساعدة الإيرانية، التي يحتج النظام بأنها هي كل ما يربطه بإيران ويجعله يتحالف معها..
 
وإذا راقبنا سير الأحداث منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم، أي منذ بدء الضغط الأمريكي على النظام السوري، من أجل إخراج إيران من أراضيه، سوف نجد أن أمريكا قدمت لبشار الأسد الكثير من الحلول لفك ارتباطه بإيران، مثل الإيعاز لدول الخليج العربية، بإعادة علاقاتها معه، واستعدادها لتعويض الدعم الإيراني، إلا أنه على ما يبدو أن بشار أبلغ الأمريكان، بعجزه عن إخراج إيران من سوريا، فكان اللجوء إلى روسيا من أجل أن تتولى بنفسها هذه المهمة، ومن خلال إطباق الحصار على إيران عبر البحر المتوسط.

إيران بدورها، تدرك ما يحاك لها في سوريا، لهذا هي تحاول جاهدة للحصول على مرفأ اللاذقية، ملوحة للنظام السوري بورقة ديونها عليه والتي تتجاوز الـ 20 مليار دولار.. إلا أن قرار تأجير مرفأ اللاذقية لإيران، لم يعد بيد النظام السوري، بالإضافة إلى أن مثل هذه الحركة، قد تكون من أبرز أسباب حتفه إذا ما قام بها.

إذاً، نحن على أعتاب صيف ساخن، قد يتطور فيه الصراع بين الغرب وإيران على الأراضي السورية، إلى المواجهة العسكرية المباشرة، وذلك إذا ما تأكدت إيران بأنها ستخرج من "المولد بلا حمص".. مواجهة سوف تلجأ فيها إيران بحسب متابعين، إلى الضغط على بشار الأسد، الذي بات الولد المدلل بالنسبة للروس، وذلك بفضل هداياه المجزية لهم، وتنازلاته الخطيرة، ثم في مرحلة تالية، لا نستبعد أن تعمد إيران إلى التخلص من بشار الأسد ذاته، وتفجير الصراع في سوريا، بحيث يخرج عن قدرة الروس على السيطرة عليه.. وتصبح هي اللاعب الأكبر فيه.


ترك تعليق

التعليق