لماذا تراجعت الإدارة الذاتية عن رفع أسعار المعاينات الطبية في شمال شرق سوريا؟


حالة من التخبط، هو العنوان الأبرز لما يجري في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شرقي سوريا، فيما يتعلق بتحديد أجور المعاينات الطبية وأجور المشافي.

والبداية كانت مع إصدار "اتحاد أطباء إقليم الجزيرة"، مطلع شهر كانون الثاني/يناير الجاري، قراراً رفع بموجبه أجور المعاينات في العيادات الطبية لكافة الاختصاصات ماعدا العينية إلى 4000 ليرة سورية، كما حدد سعر المعايانات في عيادات العينية بـ 5000 ليرة سورية، في حين أشار القرار إلى أن سعر الكشف الطبي في المشافي هو 5000 ليرة سورية، أمّا أجور الإشراف الطبي اليومي في المشفى فهو 6000 ليرة سورية.

وأرجع اتحاد الأطباء السبب في ذلك إلى غلاء المعيشة وارتفاع سعر صرف الدولار، وأيضاً ارتفاع أسعار كافة المواد الاستهلاكية في المنطقة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار.

ولاقى هذا القرار عقب صدوره مباشرة، ردود فعل غاضبة بين سكان الرقة وخاصة المرضى منهم، إذ أشار أغلبهم، حسب ما ذكرت مصادر محلية، إلى أن الأطباء والصيادلة هم المستفيد الأكبر من هذا الأمر، فيما يبقى المرضى هم المغلوب على أمرهم ولا حول ولا قوة لهم.

وفي هذا الصدد قال الناشط في مجال العمل الطبي "فراس"، والذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية في المنطقة، أن قرار الرفع جاء "بسبب ضغوط كبيرة من أطباء الجزيرة بضرورة رفع المعاينات ووصول بعضهم لتسعيرة 4000 ليرة سورية حتى من دون أخذ إذن من اتحاد الأطباء".

ومع ترقب رفع تسعيرة المعاينات من قبل وزارة الصحة التابعة للنظام، أدى ذلك إلى حالة من تفاوت الأسعار بين الأطباء، رافقتها مشاكل حصلت في عدة حالات بالقامشلي والحسكة، حسب مصدرنا.

وكانت أجور المعاينات الطبية في العيادات أو المشافي تتراوح بين 2500 إلى 3000 ليرة سورية قبل أن يتم إصدار قرار برفعها إلى 4000 ليرة سورية.

ولم تكد تمضي أيام قليلة على صدور قرار رفع أجور المعاينات، حتى عاد "اتحاد أطباء إقليم الجزيرة" وأصدر قراراً يقضي بعودة الأجور الطبية إلى ما كانت عليه في السابق، الأمر الذي وصفته المصادر المحلية في المنطقة بأنه تخبط إداري واضح في إصدار القرارات فيما يخص رفع الأجور من عدمها.

وجاء في القرار أن "مجلس اتحاد أطباء إقليم الجزيرة قرر وقف أي قرارات بخصوص رفع أسعار المعاينات الطبية في العيادات والمشافي والمخابر ودور الأشعة، وتطبيق التعرفة الطبية الصادرة عن اتحاد الأطباء عام 2017 (أي التسعيرة الحالية)".

وتعليقاً منه على ذلك قال مصدرنا، إن "سبب التراجع هو الخوف من تبعات هذا القرار على الحالة الإنسانية العامة بشمال شرق سوريا، في ظل قرار الأمم المتحدة السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية عبر معبرين فقط (من تركيا)، وإلغاء معبر اليعربية الحدودي مع العراق والذي كان مخصصاً لإدخال المساعدات مباشرة لشمال شرق سوريا".

وكذلك تم إلغاء القرار بعد إحجام مرضى عن القبول بدفع التسعيرة للأطباء وفق القرار الأخير، وهو ما رافقته حالات سخط شعبي في وقت لا يحتمل أي أزمة جديدة، حسب "فراس"، الذي أعرب عن اعتقاده أن التراجع مؤقت وسيبقى ثابتاً إلى أن يتضح ما ستقرره وزارة الصحة التابعة للنظام، التي أعلنت نيتها طرح مقترح زيادة التعريفة الطبية بعموم سوريا، قريباً.

ولفت مصدرنا الانتباه إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التراجع عن قرار وخاصة بهذه السرعة". مضيفاً: "نتمنى من أي قرارات منهم في المرات القادمة الأخذ بعين الاعتبار حالة المواطن الفقير وليس وضع الطبيب".

وتأسس "اتحاد أطباء إقليم الجزيرة" من قبل الإدارة الذاتية، وتم عقد الاجتماع التأسيسي له بحضور 200 طبيب وتشكيل مجلس له من 26 عضواً بنظام رئاسة مشتركة، وذلك في 28 أيلول/سبتمبر 2019.

ومنذ فترة طويلة، حسب مصدرنا، لم يحدث رفع للأسعار بالمشافي وتعرفات الأطباء والمخابر الصيدلانية، حتى أن بعض الأطباء أحجموا عن رفع أسعارهم تضامناً مع الفقراء، في ظل وجود سخط كبير من المرضى على استصدار هذا القرار بهذا الوقت الحرج.

وتعاني منطقة الجزيرة من تضخم اقتصادي لا يتناسب مع كافة الفئات المجتمعية في المنطقة ومنهم الأطباء، خاصة بعد أن شهدت أحداثاً عسكرية في الفترة الأخيرة، إضافة لإغلاق المعابر مؤقتاً وإصدار قرار مفاجئ من الادارة الذاتية بمناطق شمال شرق سوريا بمقاطعة البضائع التركية وعدم توفير بديل، مما أدى إلى ارتفاعات متسارعة جداً في أسعار المواد الغذائية بعضها وصل إلى أضعاف ثمنها السابق، فمثلاً علبة سمن نباتي صغيرة 2 لتر كانت بسعر 1500 أصبحت الآن تتجاوز 3000 ليرة سورية والأمثلة كثيرة، وفق تقديرات الناشط في المجال الطبي "فراس"، والذي أشار إلى أن هذا التخبط السعري والمخاوف الأمنية والأهم انخفاض قيمة الليرة أدى إلى هكذا قرار محبط لكل فئات المجتمع الأخرى.


ترك تعليق

التعليق